سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
من خلال خروجهم بمظاهرات في جميع المناطق السورية، عبّر الآلاف من السوريين في مناطق سيطرة المعارضة عن رفضهم للتقارب بين النظام التركي والسوري بعد الاجتماع الأخير في موسكو بين وزراء الخارجية في موسكو برعاية روسية.
وانتقدت المظاهرات الاجتماع معبرة عن رفضها لأي تقارب ينسف القرارات الدولية المتفق عليها.
وقال الناشطون في تصريحاتهم ، إن التقارب لن يحصل لأن النظام السوري ليس جادا في الوصول إلى حلّ سياسي في سورية.
وعلّق حقوقيون ، في أحاديثهم عن التقارب، معتبرين أنّ السياسة التركية تحاول الاستفادة من القواعد التي وضعها أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي السابق في الوصول لسياسة صفر مشاكل في السياسة التركية مع دول العالم، حيث سارعت حكومة العدالة والتنمية لإجراء مصالحات سريعة مع المملكة العربية السعودية ومصر ، وتجاوز كل الخلافات من أجل تجاوز استحقاقات الانتخابات القادمة بنجاح .
ولفت الحقوقي السوري محمد علي إلى دور التجاذب والصراع الدولي وأثر الغزو الروسي لأوكرانيا ودور تركيا للوساطة مستفيدة من علاقتها مع بوتين روسيا وحلف الناتو باعتبارها عضو فيه.
وتابع: في ظل هذه المعطيات الدولية يأتي التقارب بين السلطة التركية والنظام السوري لعدة أسباب أهمها الانتخابات التركية القادمة والتخلص من عقدة اللاجئين السوريين في تركيا والتي استطاعت السلطة التركية ومعارضتها تحويل هذه القضية الانسانية إلى الأولوية الاولى في الانتخابات القادمة متناسين جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأخرى، وخاصة قضية التضخم الاقتصادي وانخفاض قيمة الليرة التركية إرتفاع الأسعار، وتصريحات المسؤولين الأتراك المتناقضة وغير المسؤولة حول المبالغ التي أنفقتها تركيا على اللاجئين السوريين متناسين حجم المساعدات الدولية التي حصلت عليها تركيا لدعم اللاجئين وحجم النمو والتطور الاقتصادي وفق المؤشرات الاحصائية التركية حول تأثير اللاجئين السوريين في زيادة معدل الناتج القومي التركي .
وأفاد بأن السلطات التركية ومعارضتها قد حوّلت قضية اللاجئين السوريين من قضية إنسانية تحكمها إتفاقيات دولية إلى قضية بازار من الكراهية والحقد في سباق الانتخابات التركية القادمة، حيث باتت كرة اللاجئين السوريين واللعب فيها بأقدام السلطات التركية ومعارضتها القضية المركزية الأولى للفوز بالانتخابات وكسب أصوات الناخبين الأتراك.
وأكد بأنّ التحولات في الموقف التركي ودرجة الانعطافات الخطيرة في السياسة التركية تأتي من خلال درجة التناقض بين التصريحات التركية التي كانت ترفض العلاقة مع النظام السوري ورفض أردوغان لمصافحة هذا الديكتاتور الدموي إلى الارتماء في أحضانه والسعي لتطبيع العلاقات معه قبل الانتخابات التركية.
وعن دوافع إجراء هذه المصالحة ، قال: لقد وجدت الحكومة التركية نفسها أمام طريق مسدود لشن عملية عسكرية برية مدعومة جويا ضد قوات سوريا الديمقراطية وخاصة مع الرفض الأمريكي والروسي والإيراني نظرا لشبكة المصالح ، ومع انسداد الأفق أمام تركيا للقيام بالعملية وجدت المصالحة مع النظام السوري الفرصة لتسليمة الشمال السوري وعقد إتفاقية جديدة معه تتضمن تعديل اتفاقية أضنة وتمكين تركيا بموجبها من التوغل في الأراضي السورية حتى عمق 32كم ، وبهذه المصالحة تستطيع وضع حد لوجود قوات سوريا الديمقراطية وفق رؤيتها ،لكن حسابات أردوغان وحكومته الخاطئة تأكدت برد الفعل الثوري وحركة المظاهرات التي اجتاحت مناطق الشمال السوري رافضة المصالحة مع النظام السوري.
من جانب آخر فالدعوة التركية للمصالحة مع الأسد جاءت على إثر إعادة تموضع سياسي لأنقرة بين الشرق والغرب، بعد الابتعاد التركي عن واشنطن والاقتراب من خصومها في موسكو وطهران، وعبر استراتيجية جديدة للدبلوماسية التركية ظهرت في السنوات الثلاث الأخيرة، والتي تحاول العودة لمبدأ صفر مشاكل مع الجوار، والتي أثمرت عن مصالحة تركية سعودية، وتركية إماراتية، ونصف طريق لمصالحة تركية مصرية.
فالنظام السوري المحاصر سياسيا واقتصاديا بعد قطع أغلب دول العالم علاقاتها معه كان متوقعا من أن تشكل المساعي التركي بالنسبة له فرصة تاريخية للتوسع أكثر، خاصة وأن الدعوة تأتي من أردوغان الذي طالما هدّد الأسد بمحاسبته.
فالسلطات التركية قد قالت أنّ “أي لقاء مع النظام السوري لن يكون على حساب المعارضة السورية، وأنه على النظام أن يتصرّف بمسؤولية، وأن تبدد كلّ المخاوف التركية، وأن تتعامل وفود النظام مع مفاوضات المسار السياسي بإيجابية، مع شرط تحقيق نتائج إيجابية ملموسة بأقرب وقت ممكن، وأن يضمن النظام السوري حماية اللاجئين المدنيين العائدين إلى مناطقه، وأن يعمل الأسد على ضمان السلامة والاستقرار الإقليميين، وفرض الأمن والانضباط والاستقرار على كامل الحدود السورية التركية من الجانب السوري”.
فتركيا متضايقة من الائتلاف المقيم فوق أراضيها ما أدى إلى قطع رواتب قياداته منذ ثلاثة أشهر قصدا بسبب قضايا تتعلق بالفساد المالي واختلاس الأموال، وبالتالي لم تعد المعارضة بشقيها السياسي والعسكري مصدر اطمئنان لراعيها التركي بل باتت مصدراً للمشاكل، وقد يكون هذا الواقع المترهل للمعارضة أحد أسباب انعطاف أنقرة نحو النظام السوري .
وتبدو الحقيقة جلية الكثير من المحللين توقعها، منذ اختيار ماتسمى بقيادات المعارضة أو حتى الإئتلاف السوري من قبل حكومات كل يبحث عن تحقيق مصالحه في سوريا، فعندما أعلنت تركيا عن التقارب مع النظام السوري، سكت أغلبهم إن لم نقل كلهم، بل خرج بعضهم بتصريحات تؤيد الخطوة التركية وتباركها، وكأنهم موظفين لدى أنقرة، وما يثبت ذلك قيام تركيا بقطع رواتبهم.