سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
منذ بداية الثورة السورية وتشابك الأحداث، في ظل بحث جميع قيادات النظام والمعارضة السورية عن مصالحها الشخصية، وإهمال مصلحة الشعب السوري الذي ضاع مستقبله وتضحياته التي قدمها، وسط وضع معقد، تبدو خيارات السوريين صعبة في مواجهة الواقع، خاصة إذا جرى التركيز على الجوانب السياسية، التي ما زالت تثير انقسامات حادة، ليس بين النظام ومعارضيه فقط، بل داخل معسكر كل منهم، والأجدى أن يتم التوجه نحو الجوانب المعيشية، التي يشكل الإنجاز فيها تقدماً نحو المجال السياسي، ولا سيما نقطة إعادة لمّ شمل السوريين، وتوحيدهم ما أمكن على المستوى الشعبي من أجل قضية واحدة هي الحرية والكرامة .
وتنقلنا فكرة المطالب المعيشية للوقوف عند الخيارات المطروحة في الداخل وفي مناطق سيطرة النظام، وفيها تحركان، انطلق أولهما في منذ بداية الثورة السورية من درعا لتشتعل في جميع المناطق السورية واليوم تجدد في السويداء جنوباً لتجديد الحراك الشعبي على قاعدة المطالب المعيشية، من دون تجاهل الجوانب السياسية، والثاني إطلاق فكرة العصيان المدني على ذات القاعدة بما لها من متعلقات سياسية، وكلاهما يتضمن تغييراً في معادلات الداخل والصراعات الجارية، ومنها صراع الحركة الشعبية مع النظام، الذي كما نعرف لن يستجيب للمطالب، لكنه قد يتفاعل مع بعض منها على أمل تجاوز احتمال انهياره، وإذا تحقق ذلك، فإننا يمكن أن نشهد بداية تحول سوري في التعامل مع النظام بالعودة إلى قاعدة جمع السوريين في مواجهته، ما يعني نجاحهم في واحد من أهم الخيارات الصعبة.
وتصاعدت في السنوات الأخيرة التفاعلات السورية، ليس في مناطق سيطرة النظام وحده، إنما في المنطقتين الأخريين وتجمعات السوريين في دول الجوار، وفيها جميعاً تكرس انهيار سياسي واقتصادي واجتماعي، مع صعود أمني متشدد في مواجهة أي تهديدات للقوى المسيطرة، التي سلّمت أوراقها للداعمين، واستندت إلى دعمهم السياسي والعسكري ومساعداتهم المشروطة بالتبعية، وإلى الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية والميليشيات في مواجهة الداخل، مع تصعيد سبل استنزافه وسرقته مادياً وإخضاعه في كل المجالات والمستويات للسيطرة. وهكذا ترافقت البطالة مع انهيار العملة المحلية والغلاء والفساد ليتحول الواقع إلى جحيم عام، كانت تعبيراته الأشد وضوحاً في مناطق سيطرة النظام.
وبالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة فتشهد مناطق الشمال السوري أوضاعاً اقتصادية ومعيشية قاسية في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني وغلاء تكاليف المعيشة وعدم توفر العمل للشباب والرجال.
فالتهجير القسري والتغيير الديموغرافي في الخريطة السورية والنسيج الاجتماعي، بدأت ملامحه تظهر اليوم نتائج مأساوية أكثر على الأبواب في حال استمرار الأوضاع على ما هي عليه منذ سنوات.
أما المناطق في الشمال الغربي من البلاد، تعاني من كثافة سكانية مرتفعة للغاية مقارنة بالمساحة الجغرافية المتوفرة، وهو ما أدى إلى ازدحام السوريين ضمن مخيمات النزوح وسط بيئة حياة لا تتناسب مع الاستقرار المعيشي والاقتصادي وحتى التعليمي، وسط غياب أي تأثير حقيقي وفعال في إيجاد الحلول المحلية، وغياب الحلول الدولية للقضية السورية، وهو ما يجعل المواطن السوري الحلقة الأضعف والأكثر دفعا للنتائج الكارثية التي آلت إليها الأوضاع.