تظهر الصورة النمطية لعنصر المخابرات في المسلسلات فهو يظهر كرجل يرتدي نظارات سوداء وبذلة رسمية وحذاءً أسود ويجلس على مقهى يتوسطهم وهو يحتسي المتة بما أنها مشروب الكثير من القرود ومن على شاكلتهم كان هذا المشهد في الدراما يضحكهم لكنه في الواقع يرعبهم للغاية
وبعد اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١ التي منحت المعارضين السوريين حرية القول على الأقل لم تنفك عنهم المخابرات بل تعمقت في اختراق صفوفهم ووصل الأمر لحد اغتيالهم على يد عملاء النظام الذين وصلوا حتى في مناطق اللجوء ذات السيادة الدولية
بدءًا بما حدث في جريمة قتل سبعة من أعضاء مجموعة الإنقاذ السورية الشهيرة المعروفة بالخوذ البيضاء فالنظام السوري قد يكون الجاني الوحيد الذي يمكن أن يحمله الناس في إدلب المسؤولية بأمان خاصة أن عملاء النظام السوري كانوا يحاولون إثارة عدم الثقة بين الجماعات المعارضة وربما ليجبروا عمال الخوذ البيضاء على التخلي عن استقلالهم والسعي للحصول على الحماية من الجهاديين مما يجعلهم أقل استساغة للحكومات الغربية حسبما جاء في تقرير التليجراف البريطانية والتي نقلت عن رئيس منظمة الخوذ البيضاء في مدينة إدلب أحمد شيخو قوله إنه: يعتقد أن رجاله قتلوا على أيدي عناصر من النظام السوري الذين يعيشون إما خفية داخل إدلب وإما تسللوا إلى المنطقة لتنفيذ عملية القتل
ولم يتوان النظام عن زرع عملائه بغية تصفية قادة عسكريين في المعارضة السورية فقد كان الحل الأمني في بعض الأحيان بديلًا عن الفشل العسكري ومن خلال متابعتنا للأوضاع في الحسكة وخصوصا في حي غويران الذي كان يقود حراكا سلميا لأكثر من سنتين بمظاهرات سلمية هزت عرش أجهزة النظام في الحسكة كان النظام يعمل على زرع مخبريه وسط المتظاهرين وتصوير وجوههم عن قرب فكان مخبري النظام يندسون بين المتظاهرين ويقوموا بتصوير وجوه أبرز الناشطين وبعد انتهاء المظاهرة يتوجهون إلى المفارز الأمنية ويسلمونهم تقاريرهم مرفقة بمقاطع الفيديو وقد اشتهر منهم الكثير وهم لازالوا في ذاكرة الأهالي ونستشهد أيضا بما حدث عام ٢٠١٤ فبعد عدة محاولات فاشلة من قبل النظام لاقتحام مخيم خان الشيح شكل النظام السوري مجموعات سرية مهمتها إشعال نار الفتنة بين الفصائل واغتيال بعض الشخصيات المهمة عن طريق تفخيخ سياراتهم أو قتلهم باستخدام أسلحة مزودة بكواتم للصوت وقد استعان النظام حينها بشخصيات مؤيدة للنظام خارج المخيم وداخله
وتعد واحدة من أهم الحوادث التي تذكر عن الاختراق الأمني من قبل النظام ما حدث في آب عام ٢٠١١ عندما تمكنت المخابرات السورية من اعتقال المقدم المنشق حسين هرموش من داخل الأراضي التركية إذ لم يمض ثلاثة أشهر على انشقاق هرموش حتى استعاد النظام أول ضابط ينشق عن جيشه النظامي ويؤسس لواء الضباط الأحرار الذي شكل النواة الأولى للجيش السوري الحر في ٢٩ تموز ٢٠١١
قال مدير مكتب الارتباط الداخلي في مخابرات الثورة السورية خالد الحمود: ضباط من المخابرات السورية تمكنوا من استجراره من مخيم كلس للاجئين السوريين بتركيا إلى فندق في مدينة عنتاب بحجة تسلميه سلاحًا للثوار ودسوا في شرابه مخدرًا ثم اقتادوه إلى دمشق أما رواية ابن أخيه محمود الهرموش فيقول إن عمه: لم يكن يثق بسرعة في الناس ولكنه كان يثق بالمعارضة السورية وبمن ترسلهم من طرفها وهذا خطأ كبير وقع فيه الهرموش
ويكشف تقرير لشركة FireEye الأمريكية المتخصصة بأمن الشبكة الإلكترونية عن تعرض مقاتلين من المعارضة السورية للقرصنة وقد سرقت خططهم العسكرية عن طريق نساء مجندات من قبل المخابرات قمن بإغوائهم على الإنترنت كما يمكن هنا الاستشهاد بحوادث اختراق النظام للمعارضة عبر الإعلاميين والناشطين الذين اكتشف أمرهم عندما هربوا إلى حضن النظام خاصة بعد معركة حلب فقد كان هؤلاء يتمتعون بعلاقات وثيقة بمقاتلي المعارضة المسلحة ووفرت لهم فرصة دخول مقرات الفصائل ومخازنها وتواجدوا في الخطوط الأولى بجبهات القتال وتمكن النظام السوري عبر عشرات السنين من خلق مستويات متعددة من المخابرات فبالإضافة إلى أجهزته الأمنية الرسمية تغلغل المخبرون والمندوبون في المجتمع السوري الذين جندهم النظام بالترهيب أو الترغيب أما الإعلامي السوري فراس ديبة يقول إنه كان هناك شعور عام لدى المجتمع أن أي حديث يمكن أن ينقله أحد الحاضرين إلى الأجهزة الأمنية ويحاسب عليه كل من كان حاضرًا في تلك الجلسة وكان الخوف هو الكلمة السحرية لحكم المجتمع السوري.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى