عاشت سورية في ظل حكم حزب البعث الذي جعل من نفسه بحكم المادة الثامنة من الدستور القائد والموجه للدولة والمجتمع حالة من التصحر الفكري والتراجع العلمي وتردي التعليم وإطفاء سرج العقول وقتل الطاقات والاستهانة بالإبداعات الفكرية التي طلما كانت ميزة السوريين المبدعين والخلاقين على مر التاريخ فقد كانت دمشق الفيحاء وأخواتها حلب الشهباء وحمص ابن الوليد وحماة أبي الفداء منارات للعلم والمعرفة وكنزاً للفكر والإبداع وقبلة مقصودة من الباحثين والدارسين وطلاب العلم
فساد التدهور الكبير في مجال التعليم في سورية منذ تسلق حفنة من ضباط البعث المغامرين جدران الحكم في دمشق غيلة وغدراً فجر الثامن من آذار عام ١٩٦٣على ظهر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني انغمسوا في صراعات فيما بينهم للاستئثار بالحكم دون الالتفات إلى المصلحة الوطنية التي أساسها ورمز تقدمها هو الاهتمام بالعلم الذي هو السبيل لمواكبة الحضارة والمدنية والأخذ بأسباب مسايرة العصر وعلومه في كل مناحي الحياة فمنذ نجاح البعث بانقلابه وقع العديد من الانقلابات والعصيانات والتمردات وتبادل المناصب وكراسي الحكم إلى أن استتب الأمر إلى حافظ أسد بعد انقلابه على رفاقه في ١٦ تشرين الثاني عام ١٩٧٠
فهذه الانقلابات والصراعات أضعفت من فعالية التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي إضافة إلى جميع الأصعدة الأخرى وبالرغم من أن هذا الضعف قد بدأ منذ استيلاء البعث على الحكم إلا أنه ازداد بشكل ملحوظ منذ عام ١٩٧٠ على يد حافظ أسد حيث تردت الصناعة والزراعة والتجارة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ سورية وهذا مما أضعف الدخل الفردي والقومي السوري وأضعف بالتالي التطور في المجتمع السوري وسادت الطبقية الاقتصادية بشكل عمودي بالرغم من ادعاء النظام أنه نظام اشتراكي يسعى في سياسته ومنهاجه لتقليل الفجوة بين الطبقات وإذا ما أردنا تفسير ازدياد الهوة فيعود ذلك بالدرجة الأولى إلى ازدياد الهوة بين أفراد الشعب في مجال التعليم حيث قل عدد الحاصلين لمعظم فئات الشعب على الثانوية العامة إضافة إلى الحاصلين على الشهادات الجامعية والدراسات العليا من دبلوم عالي وماجستير ودكتوراه إضافة إلى المدارس العسكرية والأمنية كما برزت الطائفية في هاتين المدرستين الأخيرتين حيث أصبح أفراد الطائفة التي ينتمي إليها النظام هم أكثر الفئات انتساباَ لها مقارنة بنسبتهم العددية في سورية مع بقية فئات الشعب السوري وكلنا يذكر قائمة البعثات التي قدمت للسيد جابر بجبوج عضو القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم والمسؤول عن التعليم العالي في سورية آنذاك وضمت الأسماء المرشحة للابتعاث إلى الخارج ٨٠% من محافظتي اللاذقية وطرطوس و٢٠% من باقي المحافظات وعندما رفض بجبوج التوقيع عليها تلقى صفعة على وجهه من قبل العقيد رفعت أسد شقيق حافظ فوقعها صاغراً وفي هذا السياق نذكر طالب كان الأول على دفعته في كلية الرياضيات والأول على الجامعات السورية عام ١٩٧٧ فأدرج اسمه في مقدمة المبتعثين إلى الخارج وعندما تبين أنه غير منتسب إلى حزب البعث ورفض الانتساب إليه عندما طلب منه ذلك أسقط اسمه من القائمة وكلنا يعلم مافعله هذا النظام عندما أرسل حافظ ابن بشار للمشاركة في الأولمبياد وحصل على المرتبة الأخيرة على دول العالم رغم أننا نعلم أن هناك من أبناء البلد من لو سمح له النظام بالمشاركة لحقق مرتبة متقدمة أفضل مما حصل عليه ابن بشار سليل العائلة الخارقة للعادة في كل شيء.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى