مع بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، واستخدام أفتك أنواع الأسلحة التي لم يسبق أن أستخدمها الجيش الروسي في حروبه السابقة التي خاضها في أفغانستان والشيشان وجورجيا وغيرها، وبناء قواعد عسكرية في سوريا، ونجاحه المطلق في وضع حدٍ لتقدم الثورة الشعبية، بل واستطاع وأدها في كافة المناطق التي من شأنها أن تشكل خطراً على نظام الأسد، وتحويل مناطق المعارضة المكتظة بالنازحين إلى حقول رماية وتجريبٍ لأسلحته وطائراته، وتسببها بقتل الٱلاف من الأطفال والنساء والمدنيين العُزل، وتدميره للبنى التحتية الرئيسية في عدة مناطق كالأفران والمشافي والمدارس والأسواق، لدرجةِ تبجح وزارة الدفاع الروسية بتجريب أكثر من ٣٥٠ نوعاً من السلاح على الشعب بصورةٍ حية، بالإضافة إلى تفرد روسيا باتخاذ القرارات في سوريا بعيداً عن إرادة قيادتها المتمثلة بنظام الأسد وجيشهِ المتهالك، وعرقلة كافة القرارات الأممية التي تساهم في ترسيخ الإستقرار وحقن دماء الشعب السوري، كل هذه العوامل أدت إلى زيادة جنون العظمة لدى قيصر روسيا الطامح، وتخليه بأن روسيا باتت القوة القادمة التي ستقود العالم، مما دفعه إلى رفع مستوى طموحاتهِ، مستنداً على تخاذل المجتمع الدولي لما ارتكبه من جرائم في سوريا.
مكيال أوروبا الزائف، كشفته الحرب على أوكرانيا.
المفارقة الكبيرة مابين حرب بوتين في سوريا، وتحشيده لقواته على الحدود الأوكرانية، أزاحت الغمام عن وجه أوروبا، وبينت مدى زيف ادعائاتها الإنسانية وأظهرت الوجه الٱخر للمجتمع الغربي والأوروبي، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تتحرك الضمائر الإنسانية لما قاساه الأطفال السوريون من وحشية وإرهاب بوتين والأسد بحقهم، بل اكتفى المجتمع الغربي بالإدانة والقاء الخطابات الرنانة والعاطفية، ولم يذهبوا حتى لفرض جزءٍ يسير من العقوبات على مجرمي الحرب من الروس والايرانيين ونظام الأسد، بل سلموا بأغلبية ساحقة بأن بشار الأسد ونظامه هم الخيار الوحيد لمحاربة الإرهاب وترك العديد من القنوات الدبلوماسية مفتوحةً بشكل سري بواسطة روسيا، حفظا لماء الوجه والظهور بمظهر الحمل الوديع الداعي للسلام، ولكن مع بداية تحشيد روسيا لقواتها على الحدود الأوكرانية كشّر الغرب عن أنيابه واستنفر حلف الناتو، ولم تفارق لغة التهديد والوعيد ألسنتهم، وزودوا الجيش الأوكراني بسيلٍ من الأسلحة النوعية المضادة للطائرات والدروع، وخلال ايامٍ قليلة فرضوا جملةً من العقوبات الإقتصادية أنهكت الإقتصاد الروسي، ووضعته في مرمى الإنهيار، واربكت بوتين وإدارته وجعلته في حالة تخبطٍ وانكسار، مما يوضح المفارقة العجيبة بنوعية التعاطي الإنساني مع الشعوب حسب الدين والعرق والقومية، لتتكشف حالة الخداع والمواربة التي يمارسها المجتمع الغربي بالتعامل مع الحالات الإنسانية البحتة على حسب اللون والمعتقد وبإشراف الأمم المتحدة، وهذا ماظهر جلياً بتعامل السلطات البولندية والاوكرانية مع العائلات الأجنبية وخصوصاً الأفارقة المقيمين على الأراضي الأوكرانية ومنعهم من دخول بولندا تحت قوة السلاح، لتدخل الحالة العنصرية إلى الواقع الإنساني من أوسع أبوابها عندما صرح الكثير من المراسلين الصحفيين للقنوات الغربية بأن هؤلاء اللاجئين ليسوا من سوريا، بل هم اطفالٌ ذوي شعر أشقر وعيون زرقاء ومسحيين، وهذا يوضح حجم مكيال أوروبا الزائف بالتعاطي مع الحالات الإنسانية.
هل وقع بوتين في الفخ؟ أم سيحقق أهدافه.
بعيداً عن الوضع السوري ومقارنته بأوكرانيا، وسياسة الكيل بمكيالين التي مارسها المجتمع الدولي مع سوريا، اجتاح الجيش الروسي أوكرانيا ودخل في العمق الأوكراني، ليواجه عقوباتٍ لم تكن في الحسبان، بالإضافة إلى ردة الفعل العنيفة التي أظهرها حلف الناتو وأوروبا، ودخلت روسيا فعلياً في حربٍ باردةٍ جديدة رفقة الحرب الساخنة التي يخوضها حالياً في أوكرانيا، ولكن ماهي الخيارات التي باتت مطروحة لفلادمير بوتين نمرود روسيا الباردة، بكل تأكيد نستطيع أن نلاحظ من خلال الكاريزما الجنونية التي يتمتع بها بأنه من المستحيل أن يتراجع عن غزو أوكرانيا، وهو الآن يسخر كل طاقات الجيش الروسي لاحتلال كييف العاصمة الأوكرانية، وكلف العديد من القوات المرتزقة كميليشيا فاغنر الإرهابية وبعض الفصائل الشيشانية لاغتيال الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، على اعتباره المطلوب الأول لروسيا بعد ماوصفه بوتين بالنازي الجديد، مستنزفاً الكثير من القوات الروسية لحسم الأمور بأسرع وقت ووضع المجتمع الغربي تحت الأمر الواقع معتقداً بأنه في حال حقق أهدافه واحتل أوكرانيا سيغير الغرب مواقفه وسيرصخ لهذا الأمر، إذاً الخيار الوحيد أمام بوتين هو استماتته لاحتلال أوكرانيا، ولكن السؤال المطروح هنا، ألم يرتكب بوتين أكبر خطأ في مسيرته السياسية عندما فكر في غزو أوكرانيا، وبأن هذا التصرف سيكون بمثابة البعوضة التي قتلت النمرود.
إعداد: رئيس التحرير
تحرير: حلا مشوح