في مقال تحليلي للباحث السوري مهند الكاطع نُشر على موقع “تلفزيون سوريا”، يتناول الكاتب العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة والكُرد، كاشفاً عن أوجهها التكتيكية التي تطغى على أي طابع استراتيجي أو التزام سياسي دائم.
تحالفات قُدّت من رحم الضرورة
يرى الكاطع أن العلاقة بين واشنطن والكُرد لطالما كانت مرهونة بالظرف، لا بالمبدأ. التحالف الذي نشأ بين الولايات المتحدة وما يُعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) خلال الحرب على داعش، لم ينبنِ على اعتراف سياسي، بل على “وظيفية قتالية”، إذ شكّلت قسد قوة برية بديلة عن الجنود الأميركيين لتنفيذ المهام العسكرية في الميدان.
ومع أن قسد تضم مقاتلين محليين، فإن نواتها الصلبة تعود إلى كوادر مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المصنّف كمنظمة إرهابية في واشنطن، وهو ما يؤكد أن هذه الشراكة لم تكن مريحة للولايات المتحدة، بل تكتيكية بحتة.
الثقة الوجدانية: وهم الصداقة بلا التزام
بحسب دراسة للباحث محمد سالم من جامعة جورج ميسون، فإن العلاقة الأميركية مع الكُرد ترتكز على ثلاث أدوات: القتال المشترك، والهوية المقموعة، و”الثقة الوجدانية” التي توحي بشراكة وجدانية، لكنها لا تترجم إلى التزام سياسي دائم. يتجلى ذلك في الانسحاب الأميركي المفاجئ من شمال سوريا عام 2019، والذي فتح المجال أمام تركيا لتنفيذ عمليات عسكرية ضد مناطق سيطرة قسد.
الكُرد كأداة شرعنة رمزية
يشير الكاطع إلى أن الهوية الكردية، المقموعة تاريخياً، تُستثمر أميركياً في الخطاب الإعلامي كرمز ديمقراطي أو قضية تحرر قومي، لكن دون أي ترجمة سياسية فعلية على الأرض. وعندما تتعارض هذه الهوية مع مصالح واشنطن مع حلفائها – لا سيما تركيا – تُختزل وتُهمل، ما يعكس انتهازية واضحة في التعاطي الأميركي مع الملف الكردي.
سياسات أميركية متعددة بتعدد الجغرافيا الكردية
واشنطن لا ترى الكُرد ككتلة واحدة، بل تتعامل مع كل شريحة كردية بحسب موضعها الجغرافي:
- في العراق: احتفظت واشنطن بعلاقات متينة مع إقليم كردستان منذ التسعينيات، لكنها عارضت استفتاء الاستقلال عام 2017، ما شكّل صدمة للأكراد.
- في سوريا: قسد كانت حليفاً تكتيكياً ضد داعش، لكن واشنطن رفضت الاعتراف بالإدارة الذاتية التي أعلنتها هذه القوات.
- في تركيا: تتجنب واشنطن الحديث عن الكُرد، وتصنف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، تحت ضغط العلاقة مع أنقرة.
- في إيران: يكاد الحضور الكردي يغيب عن الخطاب الأميركي، نظراً لانشغال واشنطن بالملف النووي الإيراني وغياب إمكانية عملية للدعم.
بعد الأسد.. طيّ صفحة “قسد”
مع تغيّر المشهد السياسي في سوريا وصعود حكومة جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بدأت واشنطن بإعادة التموضع. أبرز المؤشرات شملت رفع العقوبات، وتعيين مبعوث خاص، ولقاء مباشر بين ترمب والرئيس الشرع، إلى جانب ضغوط أميركية على قسد للاندماج في مؤسسات الدولة، وإعلان نية واشنطن تقليص وجودها العسكري إلى قاعدة واحدة في التنف.
الكاطع يعتبر أن هذه التحركات تمثّل نهاية فعلية للتحالف مع قسد، وبداية مرحلة جديدة تُعيد الدولة السورية إلى مركز العلاقة.
تكتيك لا شراكة.. وثقة لا تصمد
يخلص المقال إلى أن العلاقة الأميركية-الكردية لم تتجاوز كونها تحالفاً وظيفياً مؤقتاً، وظلت رهينة للمصالح الجيوسياسية، وليس لمبادئ ثابتة. الكُرد، رغم محاولاتهم تحويل الدعم العسكري إلى اعتراف سياسي، اصطدموا بجدار التوازنات الدولية التي لا ترحم.
خاتمة: الكُرد بين الانتظار والإقصاء
بين توظيف الهويات، وتبدّل التحالفات، وتقلب المصالح، تبقى القضية الكردية رهينة للعبة الأمم، حيث لا مكان للثوابت، ولا أمان للثقة. فهل يكون سقوط التحالف مع قسد هو نهاية الورقة الكردية في المشهد الأميركي – السوري؟ أم أن تكتيكات جديدة ستولد من رحم الخرائط المتغيرة؟