في تحول سياسي وأمني هو الأبرز منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من ثلاثة عشر عامًا، زار وفد سوري رفيع المستوى العاصمة التركية أنقرة، ضمّ وزراء الخارجية والدفاع ورئيس جهاز المخابرات السورية، في خطوة تؤكد أن العلاقات بين دمشق وأنقرة دخلت مرحلة جديدة من التنسيق المباشر بعد سنوات من القطيعة والتوتر.
الوفد عقد سلسلة اجتماعات مغلقة مع نظرائه الأتراك، تناولت ملفات الأمن الحدودي ومكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين وإعادة تفعيل قنوات التنسيق الأمني والعسكري.
وفي تصريح مقتضب على منصة “إكس”، أكد وزير الدفاع السوري أن الزيارة كانت “ناجحة وحققت ما تم الاتفاق عليه بما يصب في مصلحة الجارتين سوريا وتركيا”.
بدوره، قال وزير الخارجية التركي إن “أمن سوريا من أمن تركيا”، مشيرًا إلى أن اللقاء “مهم لتثبيت أسس الاستقرار الدائم في المنطقة”.
اتفاقية أضنة.. من ذاكرة التسعينات إلى واقع اليوم
تأتي هذه الزيارة بعد أيام من تسريبات عن مفاوضات مكثفة لتجديد اتفاقية أضنة الأمنية الموقعة عام 1998 بين دمشق وأنقرة، والتي كانت تنصّ على حق تركيا في التوغل داخل الأراضي السورية حتى عمق 10 كيلومترات لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف إرهابيًا في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الاتفاقية القديمة أنهت حينها واحدة من أكثر الأزمات توترًا بين البلدين، عندما اتهمت أنقرة النظام السوري بإيواء زعيم الحزب عبدالله أوجلان ودعم عملياته ضد تركيا.
وقد شكلت “اتفاقية أضنة” أساسًا قانونيًا للتعاون الأمني الحدودي بين البلدين حتى عام 2011، حين علّقت تركيا العمل بها إثر اندلاع الأزمة السورية.
أما اليوم، فإن المعلومات التي حصلت عليها baznews.net من مصادر مطلعة تشير إلى أن الجانبين توصلا إلى نسخة جديدة موسعة من الاتفاقية تسمح لتركيا بالتوغل حتى 50 كيلومترًا داخل الأراضي السورية لملاحقة عناصر التنظيمات التي تصنّفها الدولتان إرهابية، وعلى رأسها المليشيا الكردية المسلحة التي تتبع لـ“قسد”، والتي باتت تشكل تهديدًا متزايدًا للأمن القومي التركي والسوري على حد سواء.
توافقات أمنية جديدة برعاية إقليمية ودولية
المصادر ذاتها تؤكد أن الاتفاق الجديد لم يكن ليتم دون تفاهمات غير معلنة برعاية روسية وضوء أخضر أميركي، في ظل التغيرات الميدانية في شمال شرق سوريا، وتراجع الدور المستقل لقوات “قسد” بعد انسحاب جزء من الدعم الغربي عنها.
التحركات التركية الأخيرة جاءت أيضًا بعد فشل قيادة “قسد” في القبول بمقترحات الاندماج ضمن مؤسسات الدولة السورية الجديدة التي يجري العمل على تشكيلها ضمن رؤية ما بعد التسوية، ما جعلها في مواجهة مباشرة مع كل من أنقرة ودمشق.
ويرى محللون أن هذا التقارب السوري التركي لا يعيد فقط تفعيل اتفاقية أمنية قديمة، بل يؤسس لمرحلة شراكة ميدانية محتملة بين الجيشين السوري والتركي في الشمال الشرقي، تحت غطاء قانوني وسياسي واضح.
قسد أمام خيارات محدودة
من الواضح أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وصلت إلى مفترق طرق حاسم.
فبعد سنوات من السيطرة على مساحات واسعة من شرق الفرات بدعم دولي، تجد نفسها اليوم معزولة سياسيًا ومحاصرة عسكريًا أمام تفاهمات إقليمية جديدة.
الخيارات أمامها، كما تقول مصادر سياسية لـ baznews.net، أصبحت محدودة:
إما الاستسلام والانخراط ضمن المؤسسة العسكرية والأمنية السورية الجديدة وفق تفاهمات الدولة، أو مواجهة عملية عسكرية سورية – تركية مشتركة تستهدف إنهاء وجودها المسلح نهائيًا، بضوء أخضر من القوى الفاعلة على الأرض.
خاتمة: بداية مرحلة جديدة في شمال سوريا
منذ توقيع اتفاقية أضنة الأولى، لم تشهد العلاقات السورية التركية تقاربًا بهذا المستوى من التنسيق المباشر.
ويرى خبراء أن ما جرى في أنقرة اليوم يمثل الخطوة الأولى نحو إعادة رسم خريطة النفوذ في شمال سوريا، وأن “تجديد أضنة” هو الغطاء القانوني والسياسي لأي تحرك ميداني قادم ضد الجماعات الانفصالية.
وفي ضوء التصريحات الرسمية من الطرفين، يبدو أن الأيام المقبلة قد تحمل تحولات ميدانية كبيرة، وربما عملية عسكرية وشيكة تنهي فصلًا دام طويلًا من الصراع في الشمال، وتعيد رسم العلاقات بين دمشق وأنقرة على أساس من التفاهم الأمني والمصالح المشتركة.