نهر الخابور في التراث الشعبي للجزيرة السورية

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

لدى البحث في المكتشفات الأثرية في سوريا حول نهر الخابور لا بد أن نجد علاقة وطيدة بين التراث الشعبي السوري والحضارة البشرية ، ولا سيما أن سوريا كما قيل : تعوم على بحر من الآثار ، وهذه المكتشفات الأثرية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك ، وبالدليل القاطع ما قدَّمهُ الإنسان السوري القديم ، ومنذ أقدم العصور والحقب للحضارة الإنسانية ، وفي مضامير شتى ، وخصوصا مناطق حوض الخابور فكان للتراث الشعبي القسم الأكبر والأهم منها ، لمن يجهل تاريخ هذه الأرض الطيبة المعطاء ، وإنسانها العريق ، وكل ما في ذاكرتها المشرقة في وجدان التاريخ من معالم وأوابد وكنوز أثرية خالدة .

فقد ارتبط الخابور بتفاصيل الحياة اليومية لأهالي المنطقة ، بعاداتهم وطقوسهم وهواجسهم . وبالتالي لابد أن يدخل في أشعارهم ، حيث نجده حاضرا في كل ألوان الغناء الشعبي .

وحين نستعرض حياة ابن الخابور ، نجد حياة ريفية لها تواصل كبير مع النهر ، وطريقة حصوله على الماء من خلال النساء اللواتي اختصن بذلك . وكان يطلق عليهن اسم ( الورادات ) لكثرة ترددهن الى النهر بهدف جلب الماء .

وقد حفلت الذاكرة الشعبية بألوان عدة من الغناء فيها وصف للورادات .

فأحدهم يرى الورادات يردن الخابور ، ولايعرف الى أي عشيرة ينتمين ، وعندما دقق النظر فقد القدرةعلى المسير ، فيقول :

وردن على الخابور وردن على الخابور

مدري بنات عنزة مدري بنات الجبور

من شفتهن ياخلق ظل الظهر مكسور

عكاز بيدي أباري جراف عالمية

وشخص اخر كان دائما ينتظر على ضفة النهر ، لعل محبوبته تأتي الى النهر ويراها ، فيقول :

وردن على ماهن وردن على ماهن

وسجيتهن بالجدح وشربت انا معاهن

دحجت بالمنظرى ولفي مهو معاهن

بكيت لمن صفى راسي من المية

ويقول اخر :

أمس وردن على الخابور وابدن

سلايل مرخيات الحزم وابدن

ما حاكن جليل العكل أبدا

ولا بزوارهن وانس عوى

أمس وردن على الخابور والعين

ومعجبني سواد الهدب والعين

وجع مابيك بس الرمد يالعين

مكدرة على فراق الاحباب

وفي غناء النايل ، فأن الحبيب ، يسأل سمك الشبوط عن حبيبته التي غرقت في النهر ،لعله يجد عنها خبر فيقول :

شبوط عندك وسل من الداحن الجودي

غركان ابن الحمولة ماظنتي يعودي

وها هو يشم رائحة المسك في النهر ، ويتوقع أنها رائحة الحبيبة ، فيسأل النهر ويقول :

أصدق ياجاري النهر اليوم ماجنك

بميك كرفت المسك والريام وردنك

وفي العتابا يقول :

سوحل ياخابور تايطلع الغركان

يهزي ظليل العكل ويلومني الفسكان

كما جاء ذكر الخابور في العتابا ايضا في قولهم :

من الخابور للدجلة بدينا

ولوينا شارب العايل بدينا

كثير حقوق اخذنا ولا أدينا

ولا رحنا دحايس للاجناب

ظعنهم شال عالخابور وابعد

وبقلبي دكو المسمار وابعد

اني لحجت الظعن وان الضعن مبعد

وعظيت الشواهد بالانياب

على الخابور بنينا الرباعي

وفصلنا الخيار من الرباعي

عكب ذيج المنازل والرباعي

صفينا صليب والعيشه غثا

من الخابور حيلي أنهد ونسال

ولا لي من يمش الدمع ونسال

ياطير ان جيت قرب الدار ون سل

روابي وشوف لي حي الاحباب

فهذه هي رحلتنا التي آن لها أن ترسو سفينتها على شاطئ نهر الخابور، بعد أن أحيا لنا معالمها التاريخية من جديد البحث في تراث عريق  ، وأعاد لنا وهج الماضي وألقه ، وأثار فينا الدهشة والإعجاب ، فوقفنا معه في كل محطة وقفة عز وافتخار ، وشموخ وكبرياء أمام تاريخنا الحضاري الحافل بمعطيات الإنسان الرائد منذ أقدم العصور ، وفي كافة مجالات الحياة.

الأستاذ الباحث ياسين صويلح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.