سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
لعدّة ساعات ، اجتمع وزير دفاع النظام السوري، العماد علي عباس، ونظيره التركي، خلوصي آكار، إلى جانب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بحضور رؤساء استخبارات البلدان الثلاثة، في لقاء هو الأوّل من نوعه بين مسؤولين رفيعي المستوى من سوريا وتركيا، منذ اندلاع الحرب السورية قبل أكثر من 11 عاماً. الاجتماع الذي جاء بعد بضعة أشهر من المباحثات الأمنية والوساطة الروسية المتواصلة، بالإضافة إلى جهود إيرانية بدت واضحة خلال قمّة دول مايسمى بمسار أستانا التي عُقدت في العاصمة الإيرانية طهران في شهر تموز الماضي، ركّز على مجموعة قضايا أبرزها المخاطر الأمنية ومسألة اللاجئين. وهاتان القضيّتان كانت قد شكّلتا محور لقاءات أمنية سابقة بين النظام السوري وأنقرة، في ظلّ رغبة العاصمتَين المشتركة في إخراج قوّات التحالف الدولي من سوريا وإنهاء مشروع «الإدارة الذاتية» من جهة، وطيّ ملفّ اللاجئين السوريين من جهة أخرى، بهدف سحبه من أروقة السياسة، بعد أن تمّ استثماره لسنوات عدّة من قِبَل الدول الغربية.
وخلال الشهرَين الماضيَين، أبدت تركيا رغبتها في استعجال خطوات الانفتاح على سوريا، بهدف قطف مكاسب هذا الانفتاح في الداخل، في وقت ربط فيه النظام السوري التطبيع مع أنقرة بمجموعة خطوات يتعيّن على الأخيرة اتّخاذها، أبرزها وقف دعم الفصائل المسلّحة، وإخراج قوّاتها من الشمال السوري، بالإضافة إلى إنهاء تحكّمها بالمياه الواردة عبر نهر الفرات، والذي يؤدي إلى أزمات جفاف متلاحقة أضرّت بشكل كبير بالقطاع الزراعي السوري، ومنعت إيصال مياه الشرب إلى آلاف القرى.
وفي وقت لم تَصدر فيه عن النظام السوري أيّ توضيحات حول فحوى اللقاء ونتائجه، باستثناء البيان المقتضب الذي أصدرته وزارة دفاع النظام السوري، والذي وصف الاجتماع بـ«الإيجابي»، ذكرت مصادر سورية أن تركيا تَقدّمت بضع خطوات على المسار الذي تريده سوريا، الأمر الذي سهّل عقْد هذا اللقاء، متوقّعةً ارتقاء الاجتماعات إلى المستوى السياسي في وقت لاحق، من دون تحديد وقت دقيق لذلك، في ظلّ الملفّات المعقّدة والمتشابكة التي تحيط بالعلاقات السورية – التركية، والتي ترجئ الحديث عن التسوية النهائية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية.
اللافت في موعد عقد هذا اللقاء، أنه يأتي بالتزامن مع الجدل الدائر حالياً في مجلس الأمن حول قضية المساعدات الإنسانية، إذ ترغب أنقرة في ضمان استمرار تدفّق المساعدات خلال الشهور المقبلة لمنع حدوث اضطرابات في الشمال السوري، في وقت يصرّ فيه النظام السوري وموسكو على أن تفي الدول الغربية بتعهّداتها حول تقديم دعم ملموس لمشاريع التعافي المبكر، وخصوصاً منظومتَي المياه والطاقة الكهربائية، بما من شأنه أن يؤمّن أرضية مناسبة لإعادة اللاجئين. كذلك، يأتي الاجتماع بعد تعثّر الخطّة التركية لشنّ هجوم برّي جديد في الشمال السوري، بفعل رفض كلّ من موسكو وواشنطن إيّاه، ليبقى الحلّ الوحيد بالنسبة إلى أنقرة هو الانفتاح على النظام كما تعتقد وفق الخطّة الروسية، خصوصاً أن الولايات المتحدة لا تملك سوى تجديد طرح مشروعها لربْط المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري .
وترى مصادر سورية ، أن الأصداء الإيجابية الصادرة عن وزارتَي دفاع النظام السوري والتركية عقب اللقاء، تشي بوجود خطوات على الأرض يُفترض لمسها خلال الفترة القليلة المقبلة، وأُولاها تقديم دفعة حقيقية لحلحلة ملفّ إدلب وفتح طريق اللاذقية – حلب المغلَق من جهة، ومن جهة ثانية، تسريع وتيرة إعادة اللاجئين السوريين، ولا سيما أنه جرى تحديد معابر دائمة لإعادتهم، وافتتاح مراكز مصالحة خاصة بهم في إدلب.
ويضع توافق النظام السوري – التركي، القوى الثورية، أمام اختبار وجودي جديد، في ظلّ إعلان الرئيس التركي إردوغان، اتّباع آلية جديدة في محاربة تلك القوى، عبر استهداف بنيتها التحتية ومصادر تمويلها، في إشارة إلى قوافل النفط التي يجري تهريبها، ومراكز تكرير النفط البدائية، بالإضافة إلى مقرّاتها العسكرية. وفي الإطار نفسه، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن ثمّة مساعيَ حثيثة لإيجاد مخرج سياسي عبر لقاءات سورية – سورية بين النظام والمعارضة، وفق مسارَين: الأوّل هو مسار أستانة بدعم روسي، والثاني هو مسار اللجنة الدستورية المسار الأممي، المجمَّد حالياً، علماً أن كليهما لا يضمّان أيّ تمثيل لقوات سوريا الديمقراطية .
ويأتي ذلك في وقت تتابع فيه واشنطن، التي تحاول جاهدة إفشال المساعي الروسية للحلّ ومنْع الانفتاح السوري – التركي، التصعيد السياسي والميداني في سوريا، سواء عبر تقديم دفعات من الأسلحة المتطوّرة لقوات سوريا الديمقراطية ، أو عن طريق إنشاء جيش رديف من مكوّنات عربية في منطقتَي التنف في المثلث الحدودي مع العراق والأردن، والرقة على الحدود مع تركيا.
وكل هذه التحليلات، لن تكون في صالح الشعب السوري الذي ثار بوجه النظام السوري ومليشياته منذ 2011 في ثورته ضد الدكتاتورية والقمع.