سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
يختلف عام 2022 عن سابقاته في سوريا من زاوية المسار السياسي المعطّل والميدان المقسّم والاقتصاد المتهالك، وبينما كان فيه السوريون يعيشون واقع “لا تحمد عقباه” ويترقبون مآلات القادم الأسوأ والمتوقع على كافة الأصعدة حرّكت أدلة وشهود جبهات “معركة” توصف بـ”الطويلة” وأنها حتمية ولازمة للمستقبل.
هذه المعركة لم تنخرط فيها أطراف عسكرية أو سياسية كما يشير إليه المصطلح العام، بل قادتها منظمات حقوق إنسان ونشطاء حقوقيون سوريون يقيمون خارج البلاد منذ سنوات، معتمدين على وثائق وأدلة وشهادات لأفرادٍ أرادوا البوح.
وعلى الرغم من أن عمل هؤلاء خلال عام مضى ثبّت أثرا على طريق المحاسبة الطويل، إلا أنه ومن جانب آخر فتح جروحا ومآسٍ، ارتبطت بتفاصيل جرائم حرب وضد الإنسانية ارتكبها ضباط ومسؤولون في النظام السوري، وكانت تُحسب في “طي النسيان”.
من كوبلنز كانت البداية ومن ثم في فرانكفورت، إذ شهدت هاتين المدينتين الألمانيتين في الأيام الأولى من شهر يناير 2022 محاكمتين “تاريخيتين”، الأولى صدر بموجبها حكم بالمؤبد بحق العميد السابق في مخابرات النظام السوري، أنور رسلان، بعد إدانته بجرائم ضد الإنسانية.
أما الثانية استهدفت الطبيب السوري، علاء موسى، الذي يقبع حتى الآن خلف القضبان وينتظر حكمه المرتقب، بعدما تم اعتقاله بتهمة قتل وتعذيب معتقلين سوريين، في أثناء تلقيهم العلاج بالمشفى العسكري بمدينة حمص وسط البلاد.
أشهرٌ قليلة فقط فصلت عن ما حصل في ألمانيا حتى كشف حقوقيون وصحفية تفاصيل مجزرة حصلت في الأعوام الأولى للثورة في حي التضامن بالعاصمة السورية دمشق، ضمن تحقيق بني على آليات دقيقة، وثّقت اسم المرتكب وصورته، فيما ذهبت بعيدا، للالتقاء به افتراضيا ووجها لوجه، ومن ثم سحب جزء من تفاصيل “اليوم الأسود” بلسانه واعترافاته.
ومنفذ المجزرة هو الرائد في مخابرات النظام السوري، أمجد يوسف، واستعرض التحقيق بالصور والفيديوهات كيف كان يقتاد مدنيين كالماشية معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي، ليتجه بعد ذلك إلى إطلاق الرصاص بشكل مباشر على رؤوسهم وأجسادهم، ومن ثم ليلقيهم في حفرة ويخفي أثرهم بالحرق، وكأن شيئا لم يكن.
والتحقيق الذي عملت عليه “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” لعام كامل ونشرته، في أكتوبر، اعتبر خطوة هي الأولى في نوعها بشأن هذا المعسكر الأمني، والذي أطلقت عليه “منظمة العفو الدولية” قبل سنوات وصف “المسلخ البشري”، والسجن الذي “يذبح فيه النظام السوري شعبه بهدوء”.
وكان أبرز ما كشفه التحقيق “غرف الملح”، وهي بمثابة قاعات لحفظ جثث المعتقلين الذين تمت تصفيتهم على يد الأجهزة الأمنية المسيطرة على “صيدنايا”، وقد بدأ استخدامها بعد 2011، مع ارتفاع أعداد الموتى داخل المعسكر.
وتتّبع الجهات الحقوقية في سوريا والأخرى التي تعمل على نطاق دولي آليات عدة لتوثيق الانتهاكات أو الكشف عنها، وإثبات الأطراف الضالعة بها، وكان لـ”المصدر السري” أو كما يعرفه حقوقيون بـ”كنز المعلومات” دورا كبيرا في توثيق سلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبها النظام السوري.
وذلك ما تقمصته أولا شخصية “قيصر” الضابط السوري المنشق الذي سرب آلاف الصور لجثث معتقلين في سجون النظام السوري، ومن ثم ليتعمم هذا المسار على قضايا وجرائم أخرى، كتلك التي اتبعها “المركز السوري للعدالة والمساءلة” في واشنطن.
وفي أكتوبر من العام 2022 كشف المركز السوري الحقوقي عن تفاصيل سلسلة فيديوهات تعود قصتها إلى الأعوام الأولى للثورة السورية، وتفضح “سلوكا ممنهجا” اتبعه ضباط وعناصر يتبعون لإحدى فرق النظام السوري ومخابراته بحق رفات مدنيين ومنشقين وأعضاء معارضة، بعد إعدامهم ميدانيا، بين عامي 2011 و2013.
وأثبت التحقيق الذي بني على التسجيلات المصورة أن “ضباطا رفيعي المستوى في المخابرات العسكرية السورية وقوات النظام السوري شاركوا في التدمير غير المشروع للرفات”، في إحدى المناطق الصحراوية بمحافظة درعا. ولم تكن هذه الجريمة “فردية أو استثنائية”، بل فعلها هؤلاء ضمن “سلوك ممنهج، من خلال التصوير وبسياقات دقيقة”.
هذا جزء بسيط من جرائم النظام السوري التي يندى لها الجبين.