منذ عهد حافظ الأسد وتلاعبه بلبنان طيلة عهده لم يهنأ لبنان بالاستقرار وأما اليوم بعد انتخابات البرلمان وهزيمة حلفائه فرئيس النظام السوري بشار الأسد لن يسمح بري لنفسه بمغادرة مجلس النواب قبل خروج ميشال عون من القصر الجمهوري وهو الذي كان يعتبر أن انتخاب عون رئيساً للجمهورية اندرج في سياق مشروع وهدف واضح هو تطويق بري وإخراجه.
وحالياً يخوض بري معركة البقاء رئيساً للمجلس لولاية جديدة فيما يفترض بعون أن يغادر بعد خمسة أشهر وبالتأكيد لا يريد رئيس المجلس أن يكرر تجربة الرئيس حسين الحسيني ينفي الرجل بوضوح كل الكلام الذي تحدث عن عزمه الانسحاب من معركة رئاسة المجلس لتسمية شخصية بديلة ويعود إلى مرحلة العام ٢٠٠٥ والتي كشفها في أحد كتب مذكراته أن السفيرين الفرنسي برنار إيمييه والأميركي جيفري فيلتمان كانا حينها لا يريدان إعادة انتخابه وانتصر عليهما حالياً يعتبر بري أن هناك جواً دولياً ضاغطاً لعدم انتخابه من دون إغفال وجود نية لدى العديد من حلفاء النظام السوري ضد انتخابه أيضاً
فلن يتراجع بري عن خوض هذه المعركة فما يريده هو تثبيت نفسه في رئاسة المجلس وهي رسالة سيوجهها بقسوة إلى عون وباسيل وإلى آخرين كانوا يطمحون إلى تشكيل كتلة نيابية في هذه الانتخابات لإزاحته واختيار شخصية بديلة عنه هنا ثمة من يضرب على وتر الفتنة وزرعها داخل الفريق الواحد أي بين حلفاء حزب الله على الضفتين ضفة بري من جهة وضفة التيار الوطني الحر وبعض المحسوبين على النظام السوري من جهة أخرى
وفي الكواليس يدور كلام كثير عن أن السعي الأساسي تركز على تكوين كتلة نيابية مؤلفة من حوالى ١٥ نائباً يكونون من خارج عباءة بري وتوفر أكثرية لأي مرشح آخر طالما أن المراد عدم انتخاب رئيس حركة أمل رئيساً للمجلس فغالبية هؤلاء من الذين يدينون بالولاء إلى النظام السوري وكانوا يروجون في السابق لنظرية أن النظام السوري سيعود إلى لعب دور أكبر في لبنان وسيستعيد نفوذه وسيكرس تأثيره في المسارات والمجريات وهذا أمر يتحدث به كثر من قوى الثامن من آذار وكان يفترض بتلك الكتلة أن تطرح مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس النواب ويتم التصويت له فيما يستثنى من هذا الأمر تيار المردة فقط على أن يتكافل هؤلاء النواب مع التيار الوطني الحر مثلاً لتوفير الأكثرية لمرشحهم
فوحده حزب الله لم يكن قادراً على تحمل مثل هذا الأمر لما سيكون له من تداعيات سلبية على الواقع الشيعي أولاً لما سينتج عنه من توتر لا أحد قادر على تحمله استفاد بري من اهتمام استثنائي يوليه حزب الله لتأمين فوز جبران باسيل في مختلف المناطق وكان ذلك على حساب العديد من حلفاء النظام السوري لا يمكن الجزم حالياً إذا كان الحزب جزءاً من هذه اللعبة المتضامنة مع بري لإسقاط كل حلفاء النظام المباشرين أم أن بري استفاد من تركيز الحزب جهوده لتوفير مقومات فوز باسيل بأكبر كتلة مسيحية ولو على حساب الحزب السوري القومي الاجتماعي وسليمان فرنجية وغيرهم.
وفي كلمته بعد الانتخابات كان بري واضحاً في ما نوى إليه مستذكراً الانتصار وإسقاط اتفاق ١٧ أيار وهو يعتبر اليوم أنه يعيد الكرة ثانية وهو ما يترجم بالتكافل والتضامن مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من خلال توفير فوز بري في الدورة الانتخابية الأولى كي لا يكون بحاجة إلى ثلاث دورات ليفوز بالأكثرية النسبية فيتكرر معه ما جرى في جلسة انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
وسيفرض بري انتصاره في رئاسة المجلس لكن ذلك سيفتح الأبواب على الكثير من المعارك السياسية فيستعيد رئيس المجلس كلمة أساسية قالها من القصر الجمهوري بعد انتخاب عون: حان الآن وقت الجهاد الأكبر كما يدعي فكل هؤلاء لا يعملون لصالح الشعب اللبناني بل لصالح دول داعمة لهم لكي يبقى لبنان يعيش حياة التبعية للغير.