لقد أثار مزيج العنف والكراهية الذي اعتمد عليه النظام في مواجهة المحتجين منذ بداية الثورة السورية شعورا شديدا بالغضب والنقمة عند المشاركين في الثورة وعند قطاع واسع من الجمهور غير المشارك أصلا وشكلت هذه الروح الناقمة والساخطة الأرضية النفسية للاستمرار في الثورة وقد سجلت هتافات الثائرين ولافتاتهم وأهازيجهم مدى القطيعة النفسية التي صارت تفصلهم عن النظام ومن تلك الهتافات واللافتات ما يتضمن تحقيرا شديدا لبشار الأسد وعائلته وكذلك لروح أبيه حافظ في هتاف متعدد النغمات ومنها تسجيلات على إيقاعات غربية ووصف النظام بأنه محتل وبأن قواته الأمنية والعسكرية هي قوات احتلال أو عصابات.
ويتضح أن استمرار الاحتجاجات الشعبية طوال أكثر من عام مع تحول أشكالها والمناطق الطليعية فيها ودون أدنى مؤشر على احتمال توقفها أو تراجعها في أي مستقبل قريب يعود أساسا إلى ما تحقق للسوريين من تحرر نفسي وسياسي من نظام الأسد الابن والأب ولعله يجد رافدا إضافيا من إدراك مشترك بأن استتباب الأمور للنظام وهو على ما يعلمون من القسوة والثأر في سلوكه الحالي أو في بطشه السابق بالسوريين خلال الثمانينيات سيؤدي إلى ٣٠ عاما أخرى من الإذلال والفساد والخراب العام المادي والمعنوي والسياسي هذا سبب قوي لما يمكن وصفه بسيكولوجية حرق المراكب عند أعداد أكبر من السوريين حيث نجد ترجمة هذه الحقيقة في أن عددا ممن يتكلمون إلى القنوات الفضائية اليوم من داخل البلد لا يخفون أسماءهم ووجوههم صحيح أنهم حذرون في تحركاتهم لكنهم لم يعودوا يموهون هوياتهم خلافا لما كانت الحال في أشهر الثورة الأولى ومن عوامل تواصل التمرد الشعبي العام أيضا اتساع قاعدته الجغرافية والبشرية فبات السوريون والعالم من حولهم على معرفة بأسماء عدد كبير من المدن والبلدات والأحياء والقرى التي كانت منسية ومغمورة من قبل ويشعر سليل درعا بالقرب من الميداني الشامي والدوماني سليل دوما والحمصي ساكن باب عمرو والبانياسي وساكن كفرنبل المحتلة وطالب الجامعة الحلبي والديري ساكن دير الزور. والجزراوي ساكن الجزيرة السورية هذا إن اقتصرنا على أسماء قليلة فقط وتحيي المدن والبلدات بعضها وخاصة من تتعرض منها في حينه لبطش قوات النظام فتولد شعور بالتضامن بين المناطق الثائرة زاد من عزلة النظام داخليا.
هذه العوامل القطيعة النفسية والسياسية ومزاج حرق المراكب واتساع القاعدة البشرية والجغرافية للثورة هي المنابع الأساسية لاستمرارها وسيسهم عجز النظام عن تطوير أي مقاربة غير متمحورة حول القمع في تثبيت فاعلية تلك العوامل.