لم يكن يخلو شارع أو حي أو سوق في الدير من المقاهي التي كانت منتشرة بشكل كبير وبظاهرة غريبة متنوعة تناسب جميع الشرائح حيث كان لكل مقهى مجموعة خاصة من المرتادين يحضرون إليه ويمضون أوقاتهم فيه مثل مقاهي عصمان بيك والجندول وجرداق الورق والبرج ومقهى الشباب والزهراء لكن للأسف كان مصير معظم هذه المقاهي الدمار كما حل بباقي أحياء وأسواق المدينة
فجميع أبناء البلد مترابطون بعضهم ببعض في نسيج غريب يقل مثيله في باقي المناطق فأواصر القربى والمصاهرة تجعلهم أكثر قرباً واتصالاً والجميع متعارفون هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الأعمال والعادات تفرض التواصل واللقاءات اليومية خارج البيوت بسبب مناخ المدينة القاسي ومن هنا نشأت ليكون اللقاء منتزها وفسحة لتبادل أطراف الحديث.
أما عن سبب التسمية فيقول: يظن الكثير أن أصل الكلمة تركي لوجود هذا النوع من المقاهي في تركيا من أيام العثمانيين ولتشابه الكلمة ببعض الكلمات التركية الموجودة حالياً في لهجتنا ولكن الأصح أن أصل كلمة چرمز هو قعفز باللغة العربية الفصحى: يقولون جلس القعفزى وهي جلسة.
المستوفز أي المستعجل ومع مرور الزمن تحولت الكلمة إلى قعمز أو قرمز أو كرمز والكلمة ذاتها موجودة في بلدان عربية عديدة وببعض المناطق الصحراوية يقولون قعمز باستبدال الفاء ميماً والمعنى واحد
يتابع:ويمتاز مقهى كرمز باستقبال زبائنه منذ الصباح الباكر والسبب يعود إلى نشاط كبار السن واستيقاظهم باكراً لتروى بين كراسيها أحاديث وقصص ما يدور من نسيج المدينة الاجتماعي والذاكرة الشعبية بين أبنائها حتى إن متحف المدينة الجديد يضم قاعة خصصت لعرض نموذج للمقهى الديري الشعبي.
كان للمقاهي سابقاً روادها وزبائنها المعروفين وعلى سبيل المثال نجد أن مقهى السرايا سابقاً كان محطة لوجهاء دير الزور والسياسيين الذين يجلسون فيه ويتبادلون الأحاديث المفيدة ولا يستطيع صغار السن أو من خارج هذه الشرائح دخوله والجلوس فيه ولم يكن يوجد فيه لعب للورق حيث يمارس رواده لعب الشطرنج وطاولة الزهر فحسب ويسيطر على المقهى جو من الهدوء والاحترام وكذلك الأمر في مقهى عصمان بيك والذي كان يعتني بزبائنه فقد كان الكرسي مرتبطاً باسم مريده الذي يأتي يومياً ويجلس عليه وبالمقابل كانت توجد مقاه مخصصة للعمال الذين يجتمعون فيها للتحضير للعمل وموقع معروف لمن يقصد هؤلاء العمال بغاية تشغيلهم أو بحاجتهم لأي أمر كان.
وهناك قسم آخر من المقاهي يدعى باسم غبيني أي خبئني واجعلني مختفياً وهذا النوع من المقاهي قليل يلجأ إليه بعض الناس في رمضان فقد كان قديماً يمنع الإفطار في فترة الصيام فيلجأ الناس ممّن لا يستطيعون الصيام إلى تلك المقاهي
وكثير من هذه المقاهي بقيت محافظة على تراثها وأصالتها.