“حي غويران” بالحسكة ذاكرة ثورة ورجال سطروا أروع القصص في وجه النظام ومليشياته المجرمة

الحسكة – مروان مجيد الشيخ عيسى 

حي غويران، ذلك الحي المنسي على أطراف مدينة الحسكة المنسية في أقصى الشمال الشرقي من سوريا.

الحي الأكبر مساحة وسكانا في الحسكة التي كانت سجلات النظام تعتبرها دائماً من “المناطق النامية” التي بقي مستوى التعليم، والخدمات فيها من الدرجة الخامسة بالنسبة للمدن الكبرى ومناطق الداخل والجنوب على الرغم من أنها المحافظة التي تعتبر خزان الاقتصاد السوري من نفط وقمح وقطن.

في الثورة السورية المستمرة ولدت حركات وتجمعات وقوى ثم غابت، وحلّت أسماء أماكن أخرى، لكن الجوهر كان إنّ من سيطر على منصات المعارضة الرسمية في غالبيتهم هم خريجو مدارس السلطة الذين شربوا من حليبها وتفيئوا مكاسبها، ثم اكتمل منهاجهم التثقيفي والنظري بالانضمام أو التحالف مع دول تتلاعب بالشعب السوري ، فولدت تشكيلة مشوهة وهشّة من الانتماءات والانحيازات التي تختبئ تحت قشرة الدعوة إلى الثورة والتغيير وبناء نظام مدني هكذا وكأن المدنية هوية سياسية لنظام قادم، وهو المصطلح الذي مرره البعض كبديل عن النظام العلماني المنشود، والذي يصيبهم وحلفاءهم الجدد بالحكة والحساسية.

فمنذ بداية الثورة السورية في درعا كان أبناء حي غويران من السباقين لمؤازرة إخوانهم في درعا وحمص وديرالزور ،فقد شكل أبناء الحي تنسيقيات شارك بها مختلف أبناء الحسكة وضمت شبابا عربا وسريانا وأكرادا ونظموا الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات استنكارا لجرائم النظام القمعي ،حتى استطاع أبناء الحي إخراج حيهم عن سيطرة النظام لمدة ٤سنوات ،دون دعم ممن يدعون أنهم قيادات المعارضة السورية، وفتح أبناء الحي بيوتهم لمن فر من آلة النظام السوري القمعية من أبناء حمص وديرالزور ،وحاول النظام السوري بسط سيطرته على الحي لأكثر من ثلاثين مرة لكن دون جدوى ،وقدم الحي مئات الشهداء جراء القصف من طيران النظام ومدفعيته ،لكن الحي بقي صامدا بعزيمة وشجاعة أبنائه ،وبعد أربع سنوات تم اتفاق بين الثوار والصليب الأحمر لفك الحصار ووقف القصف على الحي ،وبعد انسحاب الثوار صب النظام السوري جام غضبه على من بقي من أبناء الحي ،وتم اعتقال أكثر من ألف من شباب الحي من طلاب الجامعات والعمال ليزجهم في غياهب معتقلاته سيئة السمعة، وفي بعض الأحيان تنفيذ أحكام إعدام بعد محاكمات ميدانية.

في كلّ الحالات، وعلى غرار مناطق أخرى من سوريا، لا معلومات موثّقة عن مكان الوفاة وموعدها، ولا يتم تسليم الجثامين. 

وانتشرت بيوت العزاء في الحي، دون أي صخب، وخلال عشرة أيام وصلت أسماءٌ لمئتين وخمسين شهيداً  فمداهمة الحي من جانبيه الشرقي والغربي، حين شنّ النظام حملات اعتقال ضخمة طالت أبناءه داخل وخارج الحي. المداهمة الأولى طالت 350 من أبناء الحي بقي مصير معظمهم مجهولاً، وتبعتها عدة حملات أخرى على فترات .

تزامناً مع تلك الحملة، تمّ اعتقال عدد من أبناء الحي النازحين إلى أحياء أخرى في الحسكة، منهم من تم اعتقالهم على يد قوات الدفاع الوطني حيث يسيطر النظام وتم وضعهم في نقاط تجميع وتسلّمتهم قوات النظام منها.

عندما يتمّ اعتقال أحد في مدينة الحسكة أو ريفها من قبل قوات النظام، يتمّ نقله لاحقاً في قوافل النظام التي تعبر الطريق، لتصل إلى فرع الأمن العسكري في القامشلي. وبعد ذلك، في الغالب، سيتم نقل المعتقل في طائرة إليوشن، التي تقلع عادةً ثلاث مرات شهرياً من مدينة القامشلي إلى دمشق، ليتم احتجاز المعتقل في أحد أفرع أمن النظام أو سجونه.

يروي أحد أبناء الحي، ما حصل لأخويه بعد أن تلقى نبأ استشهاد أحدهما: اعتُقل أخي في 22 آب 2014 تزامناً مع الحملة العسكرية على الحي أثناء نزوحه إلى حي النشوة جنوب المدينة، وتم ترحيله في اليوم نفسه إلى مقر الأمن العسكري في مدينة القامشلي، ومن ثم تلقينا نبأ وفاته من دائرة الشؤون المدنية، وقد تم تسليمنا ورقة مختلفة عن القوائم الأخرى، تتضمن أنه أقرّ بالتهم الموجهة إليه وتم إعدامه في سجن صيدنايا في أول أيام عيد الفطر من سنة 2018.

أما المعتقل أحمد.ع ، فقد تلقت أسرته نبأ مقتله تحت التعذيب، واضطُر والده، تحت ضغط النظام، أن يوقع على استلام شهادة وفاة تقول إنه توفيّ نتيجة ذبحة صدرية. ويروي أحد أقاربه بأنه كان يبلغ من العمر ٣١ عاماً، وتمّ اعتقاله من قبل فرع الأمن العسكري، ثم أُفرج عنه بعد أشهر ليعود إلى منزله لمدة أربع ساعات فقط، ثم تعتقله بعدها دورية دفاع وطني كانت قد داهمت الحيّ، ويُنقل لاحقاً إلى القامشلي ومن ثم إلى سجن صيدنايا قرب دمشق.

حال هؤلاء مشابهٌ لحال 951 معتقلاً -حسب ما علِم الأهالي من تسريبات السجلّ المدني- وصلت أسماؤهم في إلى حي غويران، ويتم الإعلان عن دفعاتٍ منها بشكل يومي.

ويجد الأهلي أنفسهم وحيدين أمام هذا الواقع، في ظلّ غياب أطرافٍ سياسية وحقوقية تتبنّى قضيتهم وتضغط باتجاه وقف هذه الانتهاكات.

مما أدى إلى هجرة الكثير من أبناء الحي إلى خارج البلد ليتوزعوا كما هو حال الشعب السوري في بلدان المهجر ،وتبقى نظراتهم وحنينهم للعودة إلى بيوتهم ،بعد زوال النظام وجميع أركانه، ويبقى أبناء الحي كعادتهم أهل غيرة ونخوة منقطعة النظير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.