بلاغة العرب وفطنتهم

من هذه البلاغة ما روت لنا القصص أن عبيد بن الأبرص ذهب إلى امرىء القيس  فقال له : كيف معرفتك بالأوابد
فأجاب  امرؤ القيس :  قل ما شئت تجدني كما أحببت
فقال عبيد بنص مع لغز :
ما حيّةٌ ميتةٌ قامت بميِتتِها
درداءُ ما أنبتتْ سناً وأضراسا ؟
فرد امرؤ القيس :
تلك الشعيرةُ تُسقى في سنابلها
فأخرجتْ بعد طول المُكث أكداسا
فقال عبيد :
ما السُّودُ والبيضُ والأسماءُ واحدةٌ
لا يستطيعُ لهُنّ النّاسُ تَمسَاسَا ؟
فقال امرؤ القيس :
تلك السحابُ إذا الرّحمنُ أرسلها
روّى بها من مُحول الأرضِ أيْبَاسَا
فقال عبيد :
ما مُرتجاتٌ على هَولٍ مراكِبُها
يقطعنَ طولَ المدى سَيراً وَإمرَاسَا ؟
فقال امرؤ القيس :
تِلكَ النّجُومُ إذا حانَتْ مَطالِعُهَا
شَبّهتُهَا في سَوَادِ اللّيلِ أقبَاسَا
قال عبيد بن الأبرص :
ما القَاطِعاتُ لأرضٍ لا أنيس بها
تأتي سِراعاً وما تَرجِعنَ أنْكاسَا ؟
فقال امرؤ القيس :
تلك الرّياحُ إذا هَبّتْ عَوَاصِفُها
كفى بأذيالهَا للتُّربِ كنّاسَا
فقال عبيد :
ما الفَاجِعاتُ جَهَاراً في عَلانِيَةٍ
أشدُّ من فَيْلَقٍ مَملُوءةٍ بَاسَا ؟
فقال امرؤ القيس :
تِلكَ المَنايَا فَمَا يُبقِينَ مِنْ أحدٍ
يَكفِتنَ حمقَى وما يُبقينَ أكيَاسَا
فقال عبيد :
مَا السّابِقَاتُ سِرَاعَ الطَّيرِ في مَهَلٍ
لا يَشتَكينَ وَلَو ألجَمتَها فَاسَا ؟
فقال امرؤ القيس :
تِلكَ الجِيادُ عليَها القَومُ قد سبحوا
كانوا لهُنّ غَدَاةَ الرَّوْعِ أحلاسَا
فقال عبيد :
مَا القَاطِعَاتُ لأرْضِ الجَوّ في طَلَقٍ
قبل الصّباحِ وَما يَسرِينَ قِرْطَاسَا ؟
فقال امرؤ القيس :
تِلكَ الأمَانيُّ يَترُكنَ الفَتى مَلِكاً
دُونَ السّمَاءِ وَلم تَرْفَعْ لَه رَاسَا
فقال عبيد :
مَا الحاكمُونَ بلا سَمْعٍ وَلا بَصَرٍ
ولا لِسَانٍ فَصِيحٍ يُعْجِبُ النّاسَا ؟
فقال امرؤ القيس :
تِلكَ الموَازِينُ وَالرّحْمَنُ أنْزَلهَا
رَبُّ البَرِيّةِ بَينَ النّاسِ مِقيَاسَا
وبقي الأدب عند العرب بلاغة وفطنة على السليقة لم تصل إليه أي أمة من الأمم.

إعداد مروان مجيد الشيخ عيسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.