سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
في إطار المساعي الدولية لإيجاد حل سياسي، عبر الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي، غير بيدرسون، فقد تعطّلت المساعي التي يقودها الأخير بعد الجولة الأخيرة في مباحثات اللجنة الدستورية، ورفض وفد النظام السوري عقد الجولة التاسعة، ما أدى لجمود الملف، وسط أجواء دولية مشحونة بالغزو الروسي لأوكرانيا، وتعثّر مباحثات الملف النووي الإيراني.
ونتيجة للأسباب السابقة، عادت الأردن إلى الواجهة من أجل حشد الدعم كبادرة لإيجاد حل للأزمة السورية، ولكن بواسطة دول عربية، وهذا ما يطرح تساؤلات حول احتمالات نجاح الجهود الأردنية، وكيف يمكن أن تساهم باستقرار المنطقة، مع النظر إلى العديد من العوائق على الأرض.
وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، كشف أن بلاده تحشد الدعم الإقليمي والدولي، من أجل دعم مبادرة لإيجاد حل في سوريا، بقيادة دول عربية.
وقال الصفدي، في حديث لصحيفة “ذا ناشونال” يوم الإثنين الفائت، “إن الأردن يدعو إلى دور عربي جماعي لإنهاء تلك الأزمة بالتنسيق مع أصدقائنا وشركائنا.
وأضاف الصفدي، أنه “على العرب اتباع نهج تدريجي وقيادة حل الصراع السوري، وأن نتولى دورنا في الجهود المبذولة لإنهاء الكارثة السورية”، مشيرا إلى العواقب المدمرة للأزمة السورية، بما في ذلك التدهور الاقتصادي الذي يحول دون عودة اللاجئين إلى سوريا، ورزوح الملايين من السوريين تحت خط الفقر.
وحول مدى احتمال نجاح الجهود الأردنية، يشير الدكتور خالد شنيكات، رئيس الجمعية السورية للعلوم السياسية، خلال حديثه ، إلى أن نجاح الجهود الأردنية، يرتبط بمدى رضا الأطراف المشتركة في العملية السياسية في سوريا، إضافة إلى الدول الإقليمية والدول الكبرى الفاعلة، لافتا إلى أهمية الموقف الأميركي والغربي عموما، والمواقف الإيرانية والروسية والتركية، وموقف حكومة دمشق نفسها، وأيضا موقف المعارضة السورية.
ويضيف شنيكات، أن مدى نجاح العملية أيضا، يعتمد على نوع الوساطة التي يقوم بها الأردن، وما هي أبرز الأفكار والمحاور والمبادئ التي تستند إليها، رغم أن الحديث يستند إلى قرارات الأمم المتحدة رقم 2642، و2254، لكن ما هي آلية تطبيقها وكيفية تطبيقها وإلى ماذا ستؤدي هذه المبادرة في العلاقة بين حكومة دمشق والمعارضة.
مصادر مطلعة، أكدت أن المبادرة الأردنية لا تزال غير واضحة المعالم، حيث لم يذكر الوزير الصفدي، أي نقاط أساسية في المبادرة، مبيّنين أن كل ما تطرق إليه هو القرارات الدولية وخاصة القرار 2254، والذي ينص في الأصل على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وهذا الحل يرفضه النظام السوري ومن خلفها روسيا وإيران، لأن تطبيقه يعني سقوط الحكومة الحالية تلقائيا.
وبحسب المصادر، فإن هناك تناقضا كبيرا في المواقف سواء من الدول الإقليمية أو الدول الفاعلة الكبرى في الملف السوري، فالروس والإيرانيون، يريدون حلا وفق رغبتهم يُبقي الحكومة الحالية في هرم السلطة، وفي الوقت نفسه يريدون رفع العقوبات عن النظام ، أما الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، فيرفضون رفع العقوبات ما لم يتم انتقال سياسي حقيقي وفق القرار 2254، وهنا تكمن المعضلة بالنسبة للأردن في أن يجد حلا تتوافق عليه هذه الأطراف
أشارت المصادر إلى نقطة قد يكون الوزير الصفدي قد غفِل عنها، وهي أن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا لا ترتبط بالوضع الاقتصادي المتردي فقط، عندما أشار إلى القرار 2642، المتعلق بتسريع مشاريع التعافي المبكر، بل هناك أسباب خرى لا تقل أهمية عنه وعلى رأسها الأوضاع الأمنية، حيث تعاني سوريا من فوضى كبيرة في الأمن والاغتيالات والخطف، إضافة إلى أمور أخرى تمنع اللاجئين من العودة كالذهاب للخدمة الإلزامية وغيرها
الصفدي، تحدث عن مبادرة بقيادة عربية، تشمل السعودية ودولا أخرى، وستستند إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، واللذان يضعان خارطة طريق لتسوية تفاوضية إضافة إلى تصاريح مراقبة، وتسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
ولفت الصفدي، إلى أن الأردن قلق للغاية من الوضع على الحدود السورية الأردنية، قائلا: “نحن بحاجة إلى الاستقرار في الجنوب، وخطر تهريب المخدرات يشكل تهديدا كبيرا لنا”.
خالد شنيكات، من جهته، يرى أن قضايا الميليشيات الموجودة على الأرض في سوريا مهمة للغاية، متسائلا كيف سيتم التعامل معها والنظر إليها، وكذلك علاقة النظام السوري بالدول الإقليمية والعربية.
ويعتقد شنيكات، أن العملية التي تحدّث عنها الصفدين ليست بهذه السهولة أو البساطة، فهي تحتاج لضغط دولي كبير ورضا إقليمي، ورضا داخل سوريا نفسها من أجل “احتمالية” تحقيق ذلك، وحتى الآن لا تزال العملية مجرد أفكار وطروحات وتحقيقها لن يكون سهلا.
وفرص الحل تبدو ضئيلة في ظل الظروف الحالية على الأرض، حيث تمكنت إيران من بناء إمبراطورية اقتصادية في سوريا، وخاصة في الجنوب قائمة على صناعة وتهريب المخدرات، وقد وجدت من الأردن والسعودية ودول الخليج سوقا رائجة لهذه التجارة، وبالتالي فلن تغامر بالقبول بحل سياسي من الممكن أن يؤثر على تواجدها ومصالحها المختلفة في سوريا، وعلى رأسها تجارة المخدرات التي من المتوقع أن يكون مردودها نحو 10 مليار دولار خلال العام 2023.
شبكة “سي.أن.أن” الأميركية، قالت في تقرير لها نهاية شهر آب الماضي، أن السعودية تحولت إلى “عاصمة الشرق الأوسط للمخدرات”، وأصبحت الوجهة الرئيسية للمهربين من سوريا ولبنان.
وبحسب التقرير، فإن السعودية، هي واحدة من أكبر الوجهات الإقليمية وأكثرها ربحا للمخدرات، وهذا الوضع يزداد حدة.
المحلل السياسي السعودي، مبارك العاتي، أكد في وقت سابق اتهامه لـ”حزب الله” اللبناني، والفرقة الرابعة في سوريا، التي ترعى زراعة الحشيش وتصديره، باستهداف السعودية،
مشيرا إلى أن الكميات المضبوطة وخاصة الشحنة الأخيرة تؤكد أن هذه الحرب مستمرة.
ظاهرة تصنيع وتهريب المخدرات لن تتوقف، وهي تشهد تغيرات حسب معطيات السوق، ومن الطبيعي أن تعود حركة التهريب للأردن والسعودية والخليج في هذه الفترة بسبب الكثير من المتغيرات في المنطقة، ولكن بلا شك أصبحت أمرا واقعا وتصنيعها وتجارتها مستوطِنة في المنطقة، ولا بد من التعامل معها بشكل جديد، لا يمكن أن يكون منفردا من قِبل الأردن وحده.
فالأردن لم يعد اليوم على ما يبدو يستطيع التعامل مع الوضع في سوريا كما كان في السابق، وخاصة بعد التغير في خارطة المشهد على الحدود بينهما، حيث لم يكن قبل مدة آخذا بالحسبان ما ستؤول إليه الأمور كما هي عليه الآن، خاصة مع تغول الميليشيات الإيرانية وغياب أي دور روسي رادع على أقل تقدير.
ولذلك خرج الملك عبدالله الثاني، وحذّر من تصعيد عسكري محتمل على الشريط الحدودي مع سوريا، واصفا أن الأردن تواجه المزيد من التحديات مع الميليشيات الشيعية، وتتمثل بتهريب المخدرات والأسلحة، رادا الأمر إلى تراجع نفوذ روسيا في سوريا بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية، بحسب العتوم، الذي أشار إلى أن الأردن أدرك أنه بات مستهدفا بشكل مباشر من هذه الميليشيات.