آثار سوريا: كنز يتبدد على فيسبوك وسط صمت دولي ……سوريا/ BAZNEWS

تُعد سوريا مهد الحضارات، وتزخر أرضها بكنوز أثرية لا تقدر بثمن، تحكي قصص آلاف السنين من التاريخ البشري. لكن هذه الكنوز، التي نجت من ويلات الحروب والصراعات، تواجه اليوم تهديدًا جديدًا ومروعًا: النهب المنظم والاتجار غير المشروع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها فيسبوك. يكشف تقرير حديث لصحيفة الغارديان البريطانية عن حجم الكارثة، مسلطًا الضوء على تواطؤ غربي وصمت مريب من عملاق التكنولوجيا، ميتا، الشركة الأم لفيسبوك. فبينما تتسلل الأيدي الخائنة تحت جنح الظلام لتنبش قبورًا ضُمت قبل أكثر من ألفي عام في مدن عريقة مثل تدمر، تُعرض هذه المسروقات علنًا للبيع على مجموعات فيسبوك، لتجد طريقها في النهاية إلى جامعي التحف والمتاحف في الغرب، في دورة مأساوية من الجريمة والتواطؤ.

تدمر: مدينة التاريخ تحت معاول اللصوص
تُعرف تدمر، عروس الصحراء السورية، بتاريخها العريق الذي يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد. لقد عانت المدينة الأثرية من أضرار بالغة خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2015، عندما فجر المسلحون أجزاء من الموقع القديم، معتبرين أنقاضها أصنامًا مرتدة. لكن الدمار لم يتوقف عند هذا الحد. فبعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول، شهدت تدمر موجة جديدة من النهب المنظم، حيث يتسلل اللصوص بفؤوسهم ومعاولهم ومطارقهم، ليزعجوا رفات الموتى وينبشوا القبور القديمة بحثًا عن كنوز مدفونة.

يصف محمد الفارس، أحد سكان تدمر وناشط في منظمة “تراث من أجل السلام” غير الحكومية، المشهد المأساوي قائلاً: “هذه الطبقات المختلفة مهمة، عندما يخلطها الناس معًا، سيصبح من المستحيل على علماء الآثار فهم ما يرونه.” [1] التقط الفارس قطعة فخار محطمة خلفها لصوص القبور ووضعها بجوار الزعنفة الصدئة لقذيفة هاون، في مشهد يلخص حجم الكريثة التي تتعرض لها هذه المواقع التاريخية.

موجة غير مسبوقة من التهريب: انهيار الحماية
تدمر ليست سوى مثال واحد على الكارثة التي تحل بالتراث السوري. يؤكد الخبراء والمسؤولون أن نهب وتهريب الآثار السورية قد ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة منذ أن أطاح الثوار بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول.

هذا الارتفاع الكبير في التهريب يعرض تراث البلاد للخطر بشكل أكبر، ويُعزى بشكل رئيسي إلى انهيار الجهاز الأمني السوري الذي كان يُخشى منه ذات يوم، بالإضافة إلى الفقر المدقع الذي يدفع الأفراد اليائسين للبحث عن أي مصدر للدخل.

يُشير مشروع “أثار” (ATHAR) لأبحاث تهريب الآثار والأنثروبولوجيا التراثية، الذي يحقق في أسواق الآثار السوداء عبر الإنترنت، إلى أن ما يقرب من ثلث الـ 1500 حالة سورية التي وثقها منذ عام 2012 قد حدثت منذ ديسمبر/كانون الأول وحده. [1] ويعلق عمرو العظم، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط والأنثروبولوجيا في جامعة شوتاون ستيت بولاية أوهايو، والمدير المشارك لمشروع “أثار”، على هذا الارتفاع قائلاً: “عندما سقط نظام الأسد، رأينا ارتفاعًا هائلاً على الأرض. كان انهيارًا كاملاً لأي قيود ربما كانت موجودة في فترات النظام التي كانت تسيطر على النهب.”

سوريا، التي تقع في قلب الهلال الخصيب حيث ظهرت الحضارة المستقرة لأول مرة، غنية بالفسيفساء والتماثيل والقطع الأثرية التي تجلب أسعارًا باهظة من جامعي التحف في الغرب. ومع ضعف الرقابة، أصبحت هذه الكنوز فريسة سهلة للصوص، سواء كانوا أفرادًا يائسين أو جزءًا من شبكات إجرامية منظمة. ففي دمشق، انتشرت محلات بيع أجهزة الكشف عن المعادن، بينما تظهر الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي مستخدمين يكتشفون كنوزًا مخفية بنماذج مثل XTREM Hunter، الذي يُباع بأكثر من 2000 دولار بقليل. [1]

فيسبوك: سوق الكنوز المسروقة
بمجرد إخراجها من الأرض، تشق الآثار طريقها عبر الإنترنت، حيث برز فيسبوك كمركز رئيسي لبيع الآثار المسروقة. تقدم المجموعات العامة والخاصة على فيسبوك كل شيء من العملات المعدنية القديمة، والفسيفساء الكاملة، والتماثيل الحجرية الثقيلة لأعلى مزايد.

قدم مشروع “أثار” للغارديان عشرات لقطات الشاشة ومقاطع الفيديو لآثار سورية، بما في ذلك فسيفساء وتماثيل تدمرية، تُباع على مجموعات فيسبوك. وقد أسفر بحث بسيط على فيسبوك عن “آثار للبيع سوريا” باللغة العربية عن أكثر من عشر مجموعات مخصصة لتداول القطع الأثرية الثقافية، العديد منها عام.

تُشير كاتي بول، المديرة المشاركة لمشروع “أثار” ومديرة مشروع شفافية التكنولوجيا، إلى سرعة بيع القطع الأثرية قائلة: “هذه هي أسرع سرعة رأينا بها بيع القطع الأثرية على الإطلاق. في السابق، على سبيل المثال، كانت فسيفساء تُباع من الرقة تستغرق عامًا. الآن، تُباع الفسيفساء في غضون أسبوعين.” [1] وتُتابع بول، جنبًا إلى جنب مع العظم، مسار الآثار المهربة من الشرق الأوسط عبر الإنترنت، وقد أنشأت قاعدة بيانات تضم أكثر من 26000 لقطة شاشة ومقاطع فيديو وصور توثق الآثار المهربة منذ عام 2012.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن بعض اللصوص يذهبون على فيسبوك لايف مباشرة من المواقع الأثرية، يطلبون من المستخدمين النصيحة بشأن المكان الذي يجب أن يحفروا فيه بعد ذلك ويثيرون حماس المشترين المحتملين الذين يتابعون البث.

صمت فيسبوك ومسؤولية الغرب
على الرغم من أن فيسبوك قد حظر بيع الآثار التاريخية على منصته في عام 2020، وقال إنه سيزيل أي محتوى ذي صلة، إلا أن هذه السياسة نادرًا ما تُطبق. [1] تُعبر كاتي بول عن غضبها قائلة: “تهريب الممتلكات الثقافية أثناء النزاع جريمة، وهنا يعمل فيسبوك كوسيلة لتلك الجريمة. فيسبوك يعرف أن هذه مشكلة.” [1] وتُضيف أنها تتعقب عشرات مجموعات تداول الآثار على فيسبوك تضم أكثر من 100 ألف عضو، أكبرها يضم حوالي 900 ألف عضو.

تُستخدم مجموعات فيسبوك كبوابة للمهربين، تربط اللصوص ذوي المستوى المنخفض في سوريا بشبكات إجرامية تهرب القطع الأثرية خارج البلاد إلى الأردن وتركيا المجاورتين. من هناك، يتم شحن القطع حول العالم لإنشاء فواتير بيع مزيفة وإثبات منشأ مزور بحيث يمكن غسلها في السوق الرمادية للآثار. بعد 10 إلى 15 عامًا، تشق طريقها إلى بيوت المزادات القانونية، حيث يقوم جامعو التحف والمتاحف، الموجودون بشكل أساسي في الولايات المتحدة وأوروبا، بالاستيلاء عليها.

معيشة 90% من سكان سوريا في الفقر، فإن إيقاف الأفراد اليائسين من النهب مهمة جبّارة. بدلاً من ذلك، يرى الخبراء أن مسؤولية التنظيم يجب أن تقع على عاتق الغرب، الذي يعتبر المشتري الرئيسي للآثار الثقافية في الشرق الأوسط. يتساءل العظم بمرارة: “كيف نوقف هذا؟ أوقفوا الطلب في الغرب.” [1] ويُضيف: “حتى يتحسن الوضع الأمني، لن تروا أي تحسن. نحن نركز على جانب العرض لتجنب مسؤولية الغرب.”

خاتمة
إن ما يحدث في سوريا من نهب للآثار وبيعها عبر منصات مثل فيسبوك ليس مجرد جريمة اقتصادية، بل هو تدمير ممنهج لتراث حضاري عالمي. فبينما يحاول محمد الفارس وغيره من سكان تدمر حماية ما تبقى من مدينتهم القديمة، فإن قلوبهم معلقة بخيوط رفيعة على أمل حماية ما تبقى من روح سوريا العظيمة. [1] يتطلب وقف هذا النزيف تضافر الجهود الدولية، ليس فقط في مكافحة التهريب على الأرض، بل أيضًا في الضغط على المنصات الرقمية لتحمل مسؤوليتها، والأهم من ذلك، وقف الطلب على هذه الآثار في الأسواق الغربية التي تغذي هذه التجارة غير المشروعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.