قائل المثل هو السموأل بن غريض بن عادياء الأزدي والسموأل شاعر جاهلي وقد كان من أتباع الديانة اليهوديّة وهو حكيم من حكماء العرب القدماء المشهورين ويرجع اسمه إلى اللغة العبرية فالسموأل اسم عبري معرّب ويلفظ بالعبرية شمويل أو صاموئيل ومعناه الظّل وقد عاش هذا الشاعر في الخمسين عامًا الأولى من القرن السادس الميلادي وهو من يهود خيبر
أما مثل أوفى من السموأل فللشاعر السموأل قصة وفاء معروفة جعلته مضربًا للمثل في الوفاء وقد اتخذت منها العرب مثلًا شاع وانتشر بين القبائل وهذا المثل يُضرب لشدة الوفاء ويعود سرّ هذا المثل إلى قصة الشاعر مع الشاعر الكندي امرئ القيس وتقول الحكاية إنّ امرأ القيس حين أراد أن يلحق بقيصر ليطلب منه المساعدة ليأخذ بثأر أبيه المقتول أودع دروعه وحاجياته عند السموأل ثم رحل ولما سمع أحد ملوك الشام بموت امرئ القيس توجّه إلى السموأل وطلب إليه أن يسلّمه ما أودعه امرؤ القيس عنده فرفض تسلميه ما لديه من حاجيات صاحبه.
وكان للسموأل ولد كان قد خرج من الحصن فقبض عليه الملك الذي طالب بحاجيات امرئ القيس ثم قال للسموأل: هذا ولدك بين يدي وأنت تعلم أنّ امرأ القيس هو ابن عمي ومن عشيرتي وأنا أحق بميراثه فإنْ دفعت إليّ الدروع فيها وإلا قتلت ولدك فأبى السموأل أن يعطيه ما يريد وقال: ليس إلى دفع الدروع سبيل فاصنع ما أنت صانع فذبح الملك ابنه أمامه وهو ينظر لذلك ثم انتظر الشاعر إلى أن أتى ورثة امرئ القيس الحقيقيون فأعطاهم حاجيات امرئ القيس فأصبحت العرب تضرب المثل بالوفاء بالسموأل الذي فضّل أن يموت ابنه قتلًا أمامه على أن يعطي الملك أمانة أودعها أحد عنده وقال شعرًا في هذه الحادثة:
وفيت بأدرعِ الكنديِّ إني إذا ما خانَ أقوامٌ وفيتُ وقالوا إنه كنزٌ رغيبٌ ولا والله أغدر ما شئت.
والسموأل شاعر فصيح له من الشعر الكثير وأشهرها لاميته التي يقول فيها :
إِذا المَرءُ لَم يُدنَـس مِـنَ اللُـؤمِ عِرضُـهُ
فَــــكُــــلُّ رِداءٍ يَـــرتَـــديـــهِ جَـــمـــيـــلُ
وَإِن هُوَ لَم يَحمِل عَلى النَفسِ ضَيمَها
فَلَـيـسَ إِلــى حُـسـنِ الـثَـنـاءِ سَـبـيـلُ
تُـعَــيِّــرُنــا أَنّـــــــا قَــلــيـــلٌ عَــديــدُنـــا
فَـقُــلــتُ لَــهـــا إِنَّ الـــكِـــرامَ قَــلــيــلُ
وَمــا قَــلَّ مَــن كـانَــت بَـقـايـاهُ مِثـلَـنـا
شَـبــابٌ تَـسـامـى لِـلـعُـلـى وَكُــهــولُ
وَمــــا ضَــرَّنــا أَنّـــــا قَـلــيــلٌ وَجــارُنـــا
عَــزيـــزٌ وَجــــــارُ الأَكــثَــريــنَ ذَلـــيـــلُ
لَــنــا جَــبَــلٌ يَـحـتَـلُّــهُ مَـــــن نُـجــيــرُهُ
مَـنـيـعٌ يَــــرُدُّ الــطَــرفَ وَهُــــوَ كَـلـيــلُ
رَسـا أَصلُـهُ تَحـتَ الثَـرى وَسَـمـا بِــهِ
إِلـــى الـنَـجـمِ فَـــرعٌ لا يُــنــالُ طَــويــلُ
هُـوَ الأَبلَـقُ الفَـردُ الَّـذي شــاعَ ذِكــرُهُ
يــعِــزُّ عَــلــى مَــــن رامَــــهُ وَيَــطــولُ
وَإِنّـــا لَـقَــومٌ لا نَـــرى الـقَـتــلَ سُــبَّــةً
إِذا مــــــا رَأَتــــــهُ عـــامِـــرٌ وَسَـــلـــولُ
يُـقَــرِّبُ حُــــبُّ الــمَــوتِ آجـالَـنــا لَــنــا
وَتَــكـــرَهُـــهُ آجــالُـــهُـــم فَـــتَـــطـــولُ
وَمــا مـــاتَ مِـنّــا سَـيِّــدٌ حَـتــفَ أَنـفِــهِ
وَلا طُـــلَّ مِــنّــا حَــيــثُ كــــانَ قَـتـيــلُ
تَسـيـلُ عَـلـى حَــدِّ الظُـبـاتِ نُفوسُـنـا
وَلَيسَـت عَـلـى غَـيـرِ الظُـبـاتِ تَسـيـلُ
صَفَـونـا فَـلَـم نَـكـدُر وَأَخـلَــصَ سِـرَّنــا.
.إِنـــــاثٌ أَطــابَـــت حَـمـلَـنــا وَفُــحـــولُ
عَلَـونـا إِلـــى خَـيــرِ الـظُـهـورِ وَحَـطَّـنـا
.لِـوَقـتٍ إِلـــى خَـيــرِ الـبُـطـونِ نُـــزولُ
فَنَحـنُ كَمـاءِ الـمُـزنِ مــا فــي نِصابِـنـا
كَـــهـــامٌ وَلا فــيــنــا يُـــعَــــدُّ بَــخــيـــلُ
وَنُنكِـرُ إِن شِئنـا عَلـى النـاسِ قَولَـهُـم
وَلا يُـنـكِــرونَ الــقَــولَ حــيــنَ نَــقــولُ
إِذا سَــيِّــدٌ مِــنّــا خَــــلا قــــامَ سَــيِّـــدٌ.
.قَـــؤُولٌ لِــمــا قــــالَ الــكِــرامُ فَــعُــولُ
وَمــا أُخـمِــدَت نـــارٌ لَـنــا دونَ طـــارِقٍ.
.وَلا ذَمَّــنـــا فـــــي الـنـازِلـيــنَ نَــزيـــلُ
وَأَيّـامُـنــا مَـشــهــورَةٌ فـــــي عَــدُوِّنـــا.
.لَــهـــا غُــــــرَرٌ مَـعـلــومَــةٌ وَحُـــجـــولُ
وَأَسيافُـنـا فــي كُــلِّ شَــرقٍ وَمَـغـرِبٍ
بِـهــا مِـــن قِـــراعِ الـدارِعـيــنَ فُــلــولُ
مُــــعَــــوَّدَةٌ أَلّا تُــــسَـــــلَّ نِــصــالُــهـــا
فَـتُـغـمَــدَ حَــتّـــى يُـسـتَـبــاحَ قَـبــيــلُ
سَلـي إِن جَهِلـتِ النـاسَ عَنّـا وَعَنـهُـمُ
فَـلَــيــسَ سَـــــواءً عــالِـــمٌ وَجَــهـــولُ
فَــإِنَّ بَـنـي الـرَيّــانِ قَـطــبٌ لِقَـومِـهِـم
تَــــدورُ رَحــاهُــم حَـولَــهُــم وَتَــجـــولُ
فلازال يطلق هذا المثل أوفى من السموأل حتى أيامنا فصارت قصة ذلك الوفاء تروى منذ أكثر من ألف عام مضى.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى
تحرير: حلا مشوح