دمشق – مروان مجيد الشيخ عيسى
لم يترك النظام السوري أمامه إلا استدعاء أهالي ووجهاء مدينة دوما إلى مقر وزارة الخارجية وحشرهم داخل أحد مدرجاتها، ليكذّبوا مجبرين مقتل أبنائهم بأسلحة النظام السوري الكيماوية عام 2018 وهو ما أكدته منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مؤخراً حول مسؤولية النظام السوري عن الهجوم الكيماوي الذي طال المدينة عام 2018.
وباهتمام غير مُعتاد، أفردت وكالة أنباء سانا التابعة للنظام العديد من المنشورات عبر حساباتها على منصات التواصل لتغطية مؤتمر صحفي لوزارة خارجية النظام يتناول تقرير المنظمة الأممية الأخير حول هجوم دوما الكيماوي عام 2018.
فالنظام السوري الذي طالما همّش أصوات السوريين وقمع حريتهم في التعبير، أبرز هذه المرة تصريحات انتزعها خلال المؤتمر من عدد من وجهاء وأهالي دوما هدفها ليس التشكيك بتفاصيل الجريمة أو المسؤول عنها ولكن نكران وقوعها من أصلها.
وفي معرِض تلك الشهادات التي انتُزعت قسرياً، قال راتب ناجي الذي وصفته الوكالة بأنه إمام وخطيب مسجد في دوما: لم نرَ بأعيننا أي مصاب أو قتيل كما زعموا”.
ونفس الأسطوانة كررها مصطفى قشوع أحد وجهاء مدينة دوما قائلاً: “لا معلومات لدينا عن الضحايا الذين ادّعوا وقوعهم يوم الهجوم المزعوم ونحن لا نعرف أياً منهم.
ونقلت وكالة النظام السوري عن محامٍ يُدعى محمد النعسان قوله “أنا أقطن على بعد 400 متر من مكان الحادثة المزعومة ولم أعرف بوقوعها إلا في اليوم التالي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن أحد الشهود هو الطبيب حسان عيون حاد عن قاعدة الإنكار واختار ما حاولت روسيا الترويج له، زاعماً أن الهجوم تم التحضير له قبل يوم من قبل الفصائل وأن عدد من راجعوا المشفى يومها لم يتجاوز 35 شخصاً.
وتناقض ذلك مع شهادة الطبيب ممتاز الحنش الذي قال إن إدارة مشفى دوما أعلنت في اليوم التالي للحادثة المزعومة أنه لم يتم تسجيل أي وفيات بمواد كيميائية، والحالات التي تم تصويرها لا تثبت استخدام أي مواد كيميائية.
فيما قالت إحدى الطبيبات في مشفى دوما إنه لم يتم تسجيل أي إصابة للمسعفين الذين نقلوا حالات الإصابة المزعومة إلى المشفى، ومن غير المعقول حدوث ذلك في حال استخدام مواد كيميائية.
أما النكران الأكبر فجاء على لسان مندوب النظام السوري الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ميلاد عطية، الذي قال خلال المؤتمر إن النظام السوري لا يعترف بـ “فريق التحقيق وتحديد الهوية” التابع للمنظمة ولا بتقاريره السابقة واللاحقة.
وادعى أن النظام السوري صدّق في عام 2013 على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وبناء على قرار طوعي وإستراتيجي دمّرت كامل مخزونها من الأسلحة الكيميائية في وقت قياسي “ستة أشهر”، وذلك رغم نفي المنظمة صحة تلك المزاعم.
وشكّك عطية بنزاهة “فريق التحقيق وتحديد الهوية” التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، زاعماً أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لغايات خاصة بها وراء تشكيله للضغط على النظام السوري .
وكانت في 27 من كانون الثاني الفائت، أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن قوات النظام السوري وراء الهجوم الكيماوي الذي طال مدينة دوما عام 2018.
وحدّد تحقيق المنظمة أربعة جُناة ينتمون لوحدة جوية واحدة، لكن لم يتم الإعلان عن أسمائهم، وجاء في ملخص التقرير أن مروحية واحدة على الأقل تابعة لوحدة النخبة التابعة لميليشيا النمر أسقطت أسطوانتين صفراء اللون تحتويان على غاز الكلور السام على مبنَيَين سكنيَين في منطقة مأهولة بالسكان المدنيين في دوما، ما أسفر عن مقتل 43 شخصاً تم ذكر أسمائهم وإلحاق أضرارا بعشرات آخرين.
وفي 8 من نيسان 2020، حمَّلت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، للمرة الأولى النظام السوري مسؤولية هجمات كيماوية استهدفت بلدة اللطامنة في شمال حماة عام 2017، وذلك بعد أن تم توسيع صلاحيات المنظمة وتخويلها مهمة تحديد الجهة التي نفّذت الهجمات.
ثم عادت المنظمة في نيسان من العام 2021 لتؤكد مسؤولية نظام الأسد عن الهجوم الكيماوي الذي استهدف مدينة سراقب في 4 من شباط عام 2018.
وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا وثّقت بمفردها ما لا يقل عن 38 هجوماً كيماوياً نفذتها ميليشيا النظام السوري، في حين أكدت دراسة ألمانية ارتكاب تلك القوات أكثر من 330 هجوماً كيماوياً منذ عام 2011 .