سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
تعتبر العلاقات بين النظام السوري وإيران، علاقات حميمية منذ أن تحالف حافظ الأسد مع إيران ضد العراق في حرب الثمان سنوات، لتستمر مع وراثة بشار الأسد للحكم في سوريا، أما اليوم ففي ظل معلومات عن مماطلة طهران بانتشال حليفها النظام السوري من أزمة المحروقات غير المسبوقة التي تعصف بها منذ أشهر، وانطلاق مفاوضات التطبيع بين سوريا وتركيا وتغيّب إيران عنها، والحديث عن تحوّل لدى النظام السوري بالتوجه نحو الحضن العربي للخروج من أزمتها وعزلتها، ظهرت مؤشرات تعكس تراجعاً في مسار العلاقات السورية – الإيرانية، التي طالما وصفها الجانبان بالاستراتيجية.
آخر المؤشرات، فالنظام السوري يعمل حالياً على إحكام سيطرة قواتها على مقطع طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت البري، المار ضمن أراضيها، والذي تسيطر عليه ميليشيات موالية لإيران، ما يعني تقويض جهود الأخيرة للوصول إلى مياه البحر المتوسط، وهو حلم طالما سعت إلى تحقيقه.
ويبدأ طريق طهران – بيروت من العاصمة الإيرانية، وصولاً إلى بغداد ثم الرمادي، ومنها إلى مدينة القائم غرب العراق، ثم يدخل الأراضي السورية عند مدينة البوكمال شرق البلاد وبعدها يتجه إلى الشمال الغربي نحو مدينة الميادين ثم دير الزور، ويتفرع هناك إلى طريقين، أحدهما يتجه شمال غرب نحو حلب واللاذقية على البحر المتوسط، والثاني إلى الجنوب الغربي نحو البادية الشرقية، ثم مدينة تدمر، ومنها يتفرع إلى طريقين، أحدهما نحو مدينة حمص ، والثاني نحو منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، وصولاً إلى دمشق، حيث يرتبط بالطرقات الدولية التي تصل بلبنان وبجنوب سوريا.
وسيطرت القوات الإيرانية الموجودة في سوريا والميليشيات التابعة لها على هذا الطريق في الأراضي السورية منذ إعادة افتتاح معبر القائم – البوكمال بين العراق وسوريا قبل أكثر من 3 سنوات، لما يشكله من أهمية استراتيجية بالنسبة لطهران. فهو أهم طريق إمداد عسكري بري لحليفها في لبنان ميليشيا حزب الله، كما أنه طريق تجاري مهم يصل بين أراضيها ودمشق والساحل السوري على البحر المتوسط، إضافة إلى شمال لبنان، لدرجة أن بعضهم أطلق عليه تسميات منها أوتوستراد محور المقاومة وأوتوستراد إيران إلى المتوسط.
وتحدثت معلومات ذكرتها صحيفة الشرق الأوسط، عن أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري والعاملة في دير الزور وريفها، ومنها مدينتا البوكمال والميادين اللتان تنتشر فيهما بكثافة قوات إيرانية وميليشيات تابعة لها وأنشأت فيهما قواعد ومقرات عسكرية، تلقت مؤخراً تعليمات تقوم بتنفيذها، وتتضمن إيقاف منح الإيرانيين موافقات تملّك في تلك المناطق، واستعادة أبنية تابعة للنظام اتخذتها القوات الإيرانية وميليشياتها مقرات لها، إضافة إلى إجراء عمليات تدقيق كبيرة في عمليات التملك التي حصلت نتيجة شراء ضباط وعناصر من القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها عقارات من المدنيين في تلك المناطق.
ووفق المعلومات ذاتها التي ذكرتها الشرق الأوسط ، لا يقتصر تنفيذ هذه التعليمات على دير الزور وريفها، بل يشمل أيضاً محافظة حمص وريفها.
وبدأت مؤشرات التراجع في العلاقات السورية – الإيرانية، القائمة منذ عام 1979، ويصفها الجانبان بالاستراتيجية، تظهر منذ أن عصفت أزمة محروقات جديدة بمناطق سيطرة النظام السوري في بداية كانون الأول الماضي، تعد الأشد، فإيران التي دعمت النظام السوري ضد فصائل المعارضة المسلحة منذ اندلاع الحرب في سوريا قبل أكثر من 11 عاماً، بآلاف المقاتلين والأسلحة والذخيرة، وقدمت لها خطوط ائتمان لتمويل المواد الغذائية والمشتقات النفطية، وسفناً حاملة للنفط، لم ترسل النفط لحليفتها لتجاوز أزمة المحروقات الأخيرة، بخلاف ما كان يحصل سابقاً، وذلك على الرغم من تسبب الأزمة الأخيرة التي خفت نسبياً منذ أيام، في حالة شلل شبه تامة بمناطق النظام ، وارتفاع كبير في الأسعار، وركود في معظم الأسواق، وسط تساؤلات في الشارع عن نفط الحليف الإيراني. والاعتقاد السائد بأن تراجعاً يعتري علاقات النظام وطهران عززه عدم حصول زيارة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، كانت مقررة في 27 كانون الأول الماضي.
وكانت «الشرق الأوسط» نشرت معلومات عن أن الجانب السوري فوجئ خلال الإعداد لزيارة رئيسي، بسلسلة من الطلبات ومسودات الاتفاقات، تتضمن أن إيران تريد تموضعاً عسكرياً استراتيجياً يعزز موقعها في الإقليم، وموطئ قدم استراتيجياً على البحر المتوسط، إضافة إلى تنازلات سيادية مالية في حقول النفط والغاز والفوسفات والمشاريع والاتصالات، وأن يعامَل الإيرانيون معاملة السوريين.
وقال مصدر متابع لتفاصيل التطورات في العلاقة السورية – الإيرانية للشرق الأوسط، إن مطالبة إيران حليفتها بثمن لإنقاذها – كما ورد في تقارير صحافية – استغلال، ولا يمكن تسميته إلا كذلك». وأضاف: لا فرق بين تصرف إيران وتصرفات دول غربية تعدها دمشق عدوة. حتماً دمشق توقفت عند الأمر. وأوضح أن دعم إيران خلال سنوات الحرب لم يكن كرمى لعيون النظام. فإيران تسعى لإيجاد نفوذ لها في العالم العربي عبر العراق وسوريا. تريد الوصول إلى مياه المتوسط، ولذلك سيطرت على طريق طهران – بيروت ضمن الأراضي السورية.
وأضاف: بحسب المعلومات، كان من المفترض أن تتشكل مقاومة شعبية في مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها إيران ضد القوات الأميركية الموجودة أيضاً في مناطق هناك، وذلك من أجل استعادة النظام السوري حقول النفط والغاز هناك، ولكن المقاومة لم تتشكل. وما يجري بين الحين والآخر هو قصف قواعد أميركية بقذائف صاروخية وعبر مسيّرات، وهذا يحصل عندما تصل مفاوضات الملف النووي الإيراني مع الغرب إلى طريق مسدود، ويتوقف عندما تُستأنف.
وقال المصدر: بعد ظهور مؤشرات على تكثيف دول عربية طبّعت علاقتها مع النظام من تحركاتها لجذب الأخيرة إلى الحضن العربي، وأخرى توحي بوجود تحول في توجهات دمشق نحو الطرف الآخر، فإن السؤال المطروح الآن هو: كيف سيكون رد إيران، فالنفوذ الذي كرسته في الأراضي السورية ليس بقليل. هل ستقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يجري؟ وهل ستتابع دمشق السير في توجهاتها الجديدة حتى النهاية.
وعلى الرغم من أن إيران تعد من الدول الضامنة لعملية آستانة بشأن سوريا، إلى جانب روسيا وتركيا، فإن اللافت غيابها عن مسار مفاوضات التطبيع بين أنقرة والنظام السوري ، الذي رعته موسكو.