سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
منذ أن تم تعيين قيادات للمعارضة من قبل الخارج ،دون الرجوع إلى أهل الثورة الحقيقيين ،ومع ظهور الخلافات فيما بينهم، وبدأت حرب الأسافين فيما بينهم وطق البراغي، وانكفاء أغلبهم في جمع المال ووضعها بأسمائهم في بنوك أوربا، وعدم تقديم حلولا لمشاكل المهجرين وعوائل الشهداء ،بدأ التململ يظهر في قلوب الثوار ،وظهر جلياً تهجم الثوار في مدينة أعزاز على رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، احتجاجاً على تماهي موقفه وموقف الائتلاف المعارض الذي يترأسه، مع رغبة أنقرة في التطبيع مع النظام المجرم، وقبلها عمّت المناطق ذاتها موجة غضب على الحكومة السورية المؤقتة عقب ما رشح عن ترحيب رئيسها بالاجتماع الثلاثي الذي عُقد في موسكو بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وسوريا، واعتباره خطوة مهمة نحو الحل السياسي في البلاد، وبينهما ثمة شعارات رفعها متظاهرون نددت بتصريحات وبيانات لبعض الكتل المحسوبة على المعارضة السورية، كالمجلس الإسلامي السوري، وتنظيم الإخوان المسلمين، وحركة سوريا الأم وغيرها، التي اكتفت بمهاجمة النظام السوري، وتجنبت توجيه أي انتقاد لتركيا، بل خص بعضها حكومة أنقرة بالشكر لدعمها الشعب السوري وحسن استقبالها للاجئين، معرباً عن تضامنه معها وتفهمه للضغوط التي تواجهها على المستوى المحلي والدولي.
الموقف السلبي للسوريين وعدم ثقتهم بالمعارضة السياسية التي تدّعي تمثيل مصالحهم ليس جديداً، بل قديم قدم ارتهانها لإملاءات الآخرين وعجزها عن لعب دورها المفترض في قيادتهم والدفاع عن حقوقهم والاهتمام بشؤونهم، والقصد أنه ليس أمراً مفاجئاً حين لا يكون قادتها موضع قبول وترحيب شعبيين، أو حين يتعرضون لسيل من الانتقادات تجاه سياساتهم المبهمة والذليلة والتي استهترت غير مرة بما يكابده الملايين واستسهلت التفريط بحقوقهم.
كيف يمكن أن يثق السوريون بمعارضة وضعت نفسها في طليعة المروّجين للأوهام عن دور خارجي إنقاذي وربطت سياساتها به، ما جعلها في كثير من المحطات تنصاع لأوامر الخارج، الإقليمي أو الدولي، وتسير وفق حساباته وتوقيتاته، ضاربةً عرض الحائط بالجهود المفترض بذلها لمواجهة تحديات الداخل، ولتمكين الذات أولاً، والتأكيد على أن خلاص السوريين لن ينجَز إلا بأيادي السوريين أنفسهم، ولنتذكر هنا، مثلاً، كيف ارتبطت محطات تطورها السياسي وتشكيلاتها التنظيمية بأجندة لا تتعلق بالوضع السوري العياني بقدر ما كانت تتعلق بمطالب الخارج، وكيف تَسابق المعارضون لعقد المؤتمرات وإعلان التكتلات السياسية تلبيةً لإشارات صدرت من هذا الطرف الخارجي أو ذاك، وكيف وُلد الائتلاف الوطني نفسه كاستجابة مكشوفة لاشتراط الغرب منحه الشرعية ودعمه، ولنتذكر أيضاً، مرارة ما جلبه انتظارها وتعويلها المزمن على تدخل أميركي جدّي وحازم في الملف السوري؛ مرةً على ما كان يعلنه البيت الأبيض من خطوط حمر ومن مواقف متشددة تجاه النظام السوري ، ومرةً ثانيةً على العقوبات التي فُرضت، كقانون قيصر، ومؤخراً قانون الكبتاغون. ولنتذكر تالياً الخيبات المتكررة من مبالغة بعض زعماء المعارضة في الرهان على حصول توافق بين موسكو وواشنطن يُنهي الحكم السوري ويفتح آفاقاً لمرحلة الانتقال السياسي، كما على ما عدّوه خلافاً بين روسيا وإيران حول المستقبل السوري، ما سمح بتمرير مسار روسي كان همّه الالتفاف على القرار الأممي (2254) وفرض تسوية على مقاس مصالحه. والأهم، لنتذكر الاتكاء المفرط لأهم جماعات المعارضة السورية على تركيا، ومنحها ثقة مطلقة حتى بدا الانصياع لأوامرها كأنه ضرورة لاستمرار الوجود السياسي المعارض نفسه، ما أفضى إلى التسليم بتحالف حكومة أنقرة مع موسكو وطهران، والإذعان لإملاءاتها في المشاركة باجتماعات الآستانة
وسوتشي، وفرض مناطق خفض التصعيد وإنجاح ما رُسم من تسويات ومصالحات كما إلى تغطية عملياتها العسكرية في شمال غربي البلاد، من دون أن ننسى مبالغات المعارضة في التعويل على الدور الأممي وعلى الخطط التي حملها المبعوثون الدوليون، وعلى ما عُرفت بمفاوضات جنيف، وحالياً على ما يمكن أن تسفر عنه أعمال اللجنة الدستورية، وإيهام الناس بأنها باتت مدخل التغيير السياسي.
علاوة على ما سبق يلحّ السؤال: أيُّ موقع يمكن أن تحتله المعارضة السياسية عند السوريين حين تبدو كأنها في وادٍ والمعاناة الشعبية في وادٍ آخر، وتعجز عن بناء قنوات للتواصل والتفاعل مع الناس ومدهم بأسباب الدعم، كما عن توظيف الجهد المطلوب لتنظيم الحياة في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وأي قيمة يمكن أن تحوزها معارضة غضّت النظر عن قوى متطرفة نجحت في فرض وجودها على الأرض وخلق واقع اجتماعي يناهض الشعارات الوطنية والديمقراطية، أو حين يتمكن تنظيم الإخوان المسلمين من السيطرة على أهم مؤسساتها وفرض مواقف
سياسية عليها تخدم التزامه الآيديولوجي على حساب الهم الوطني، فلا يتردد، مثلاً، تلبيةً لمصالح إخوته في الدين، في حضّها على تسعير العداء بين الكرد والعرب والتخلي عن مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية في إعادة بناء الثقة بين هذين المكونين السوريين على قاعدة معاناتهم المشتركة من القهر والتمييز.
هذا هو واقع يجعل الشعب السوري الثائر يرفض الوصاية على قراراته الوطنية لتحقيق مصلحة الشعب السوري بإسقاط النظام السوري المجرم.