سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
إن مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي للعام 2023، اتفقت عليه لجنة القوات المسلحة في مجلسي الشيوخ والنواب، مؤكدة تثبيت استراتيجية مكافحة إنتاج وتجارة المخدرات السورية، ما سيترك أثره على اقتصاد النظام السوري، من خلال حرمانها من عائدات هذه التجارة غير الشرعية أو التضييق عليها.
فليست المرة الأولى التي يتم من خلالها طرح قانون لمكافحة تجارة المخدرات السورية في الأوساط الأميركية، فرينش هيل كان قد قدم اقتراحا مشابها في كانون الأول 2021 وتسبب أحد أعضاء “مجلس الشيوخ” بحذفه حينها. واليوم يُعاد تقديم القانون مرة أخرى، والذي تم تمريره وأصبح قانونا معتمدا من الرئيس الأميركي.
فالقانون شبه متفق عليه، وصدر كملحق ضمن قانون موازنة وزارة الدفاع الأميركية للعام 2023 ، حيث تم إقراره في “مجلس النواب” وتم إقراره في “مجلس الشيوخ” ثم تم توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن، وبعد إقراره يتم انتظار الرئيس بايدن، ستة أشهر لوضع الخطة والتنفيذ.
فالقانون الجديد فوّض وكالة “مكافحة المخدرات” الأميركية بمتابعة ومراقبة شبكات المخدرات التي يُشرف عليها النظام السوري، والعمل على تفكيكها ما سيؤثر بشكل جدّي على عمليات تصنيع وتمرير المخدرات في سوريا، وسيساعد الدول التي تضررت من اتجار النظام السوري بالمواد المخدرة، على اكتشاف شحنات المخدرات قبل دخولها أراضيها والعمل على تدميرها وحرقها، الأمر الذي سيُضعف المدخول المالي للنظام السوري بشكل حصري.
فقيمة تجارة المخدرات التي تنشط في سوريا وخاصة الإتجار بمادة “الكبتاغون”، تبلغ عشرة مليارات دولار سنويا، ما جعلها تلعب دورا كبيرا، في تمويل أطراف الصراع في سوريا، إذ تحولت سوريا الغارقة في نزاع دام منذ 2011، بحسب تحقيق أجرته وكالة “فرانس برس” إلى دولة مخدرات، وتشمل دورة إنتاج وتهريب هذه الحبوب المخدرة لبنان المجاور، الذي ينوء أيضا تحت ثقل انهيار اقتصادي.
سوريا غدت مركزا أساسيا لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولا إلى دول الخليج مرورا بدول إفريقية وأوروبية، وتعتبر السعودية السوق الأول للكبتاغون، بحسب ما يضيف التحقيق الذي كشف أن أربعة أو خمسة تجار كبار، يتقاسمون شحنة واحدة ميزانيتها عشرة ملايين دولار تغطّي المواد الأولية وطرق التهريب التي تُعرف بالسكة، والرشاوى، وتعود بربح قدره 180 مليون دولار.
ففي العام 2021، ووفق بيانات رسمية، صادرت القوى الأمنية في دول عدة أكثر من 400 مليون حبة “كبتاغون”. وبحسب ما أظهرت مضبوطات من العام 2022، يبدو أن صادرات “الكبتاغون” ستفوق تلك التي تمّت في العام السابق. لكن هذا ليس سوى رقم بسيط جدا، مقارنة مع ما لم يُضبط، حيث يقول مسؤولون أمنيون، إنه “مقابل كل شحنة يتمّ ضبطها، تصل تسع شحنات أخرى إلى وجهتها”.
فالقانون يعتبر النظام السوري منتج ومصدر ومروّج للمخدرات، حيث يلاحظ الخطر الكبير الذي يطال العالم كله من هذه التجارة، ما يحتّم مكافحتها ووضع حد لها وحتى يكون الحل جذريا، ينبغي البدء بمصادر الإنتاج مثل مزارع إنتاج المواد الخام في جنوب لبنان، إلى أماكن تصنيعه المنتشرة في سوريا مثل ريف دمشق وحلب وحوران التي تحوي معامل لإنتاج “الكبتاغون” ضمن شبكة تصنيعية موسّعة.
فإفشال جميع مجالات التهريب التي تقوم بها شبكات تجارة المخدرات من سوريا نحو العالم يُعد أمرا بالغ الصعوبة، إذ عادة يتم ضبط قرابة 20 بالمئة من الشحنات، بينما ينجح المتاجرون في تمرير ما تبقى من شحنات، وهي نسبة كبيرة جدا.
فتجار المخدرات ينجحون في أغلب الأوقات بإيجاد طرق تهريب، عوضا عن الطرقات التي تكشفها سلطات الدول المجاورة، ومكافحة هذه الشبكات بشكل كامل صعب جدا، لكن يمكن العمل على تجفيفه إلى أبعد حد، والأهم هو القضاء على مصادر إنتاج المخدرات سواء الزراعة أو معامل التصنيع.
وبعد إقرار القانون نشهد انخفاضا واضحا في شحنات “الكبتاغون” الممررة من سوريا، نظرا لأن تكلفة نقله وشحنه ستغدو أكبر، ولتشديد الرقابة على طرقاته ومعامله والمتاجرين به، وفي نفس الوقت ستجف معظم طرقات التهريب، ما سيؤثر بشكل سلبي على اقتصاد الظل الخاص بالنظام السوري، كون تجارة المخدرات تشكل أكبر مصدر لتمويل النظام السوري، على حد تعبيره.
بالتوازي، فلا بد من تدمير مناطق الإنتاج بشكل كامل، وتتبع كل شبكات التهريب، فالنظام لن يستسلم أمام التحركات الأميركية، لأن المخدرات تشكل عصب اقتصاد الحرب الذي يمولها، وهو اليوم يبحث عن وسائل جديدة للاستبقاء على تجارة تهريب المخدرات.
فخيارات النظام السوري لا تتعدى اللجوء إلى وسائل التحايل على مفرزات القانون والعمل على بقاء التصنيع والإتجار، لكن مع تغيير في الأساليب والطرق.