مريم وقصة الفقر والجوع والغلا ونبش القمامة

الحسكة – مروان مجيد الشيخ عيسى

 

تجرّ مريم عربة كبيرة تعلق عليها كيسًا فارغًا، بعد إيصال أطفالها إلى المدرسة، لتبدأ بالتجول بين حاويات القمامة في الحسكة بحثًا عن النفايات القابلة لإعادة التدوير كعلب المشروبات الغازية والبلاستيك وقطع الحديد.

فقد اضطرت مريم إلى العمل بجمع النفايات، بعد تعرّض زوجها للاعتقال لدى النظام السوري لتصبح المعيلة الوحيدة لأربع فتيات، دون أي مصدر دخل أو مهارة تستطيع من خلالها كسب المال لتأمين الاحتياجات الأساسية لعائلتها، ووفق ما قالته لوكالة BAZ الإخبارية:

بعدما خسارنا لمنزلنا في القرية جرّاء القصف، انتقلت وبناتي إلى غرفة غير صالحة للسكن في بناية على العظم بلا أبواب وشبابيك وافق صاحبها على أن يقبض الإيجار بالتقسيط.

استطاعت الشابة العشرينية تأمين الإيجار خلال الفترة الماضية من خلال جمع النفايات القابلة لإعادة التدوير، لكنّ ارتفاع الأسعار وتعرّضها للاستغلال جعلها عاجزة عن تسديد الإيجار الذي يبلغ 75 ألف ليرة سورية .

فالذي يشتري ما تجمعه مريم، يستغل احتياجها الكبير للمال للتلاعب بسعر المواد حسب رغبته.

ورغم خوف مريم من الأضرار الصحية لعمله بجمع النفايات ، فهي ترى أنها أفضل من أعمال المياومة إذ لن تغطي أجور المياومة الاحتياجات الأساسية لأسرتها ، بينما يوفر عملها الحالي جزء بسيط مما تحتاجه أسرتها بالحد الأدنى.

وأضافت أن تحديد أسعار النفايات القابلة لإعادة التدوير والدخل الذي يمكن أن يجنيه العاملون في القطاع، يعتمد على استغلال التجار.

ورغم إصرار مريم على العمل ملثمة خوفًا من أن تكشف هويتها، تلاحقها نظرة المجتمع التي جعلتها تفكر مرارًا بترك عملها خوفًا على سمعة بناتها، بحسب قولها.

فالمجتمع لا يحرم، لم يبادر أحد بمساعدتي رغم حاجتي الكبيرة لذلك لكنّ الانتقادات تلاحقني بسبب عملي، تابعت مريم.

وتعتبر مريم أن عملها مصدر رزق تجنبها طلب العون وانتظار المساعدات من المنظمات والعمل مقابل أجر ظالمة.

بالمنظمات كما تقول مريم: لا تمتلك أي إنسانية، نراهم كل يوم في أفخم المطاعم يأكلون مالذ وطاب، ويشاهدون كل يوم أنا وأمثالي، ولم يهز منظرنا شعرة فيهم.

وعند سؤالي لها هل سجلت إسمك في المنظمات، أجابت: كل المنظمات تبحث عن ثبوتيات ونحن ضاعت كل ثبوتياتنا في بيتنا المدمر، وزوجي لازال معتقلا عند النظام منذ سبع سنوات، ولانعرف شيئا عنه. وإخوة زوجي طردوني وأطفالي من بيوتهم. 

ويتهافت عشرات النساء والأطفال على حاويات القمامة ويجوبون شوارع مدينة الحسكة منذ ساعات الفجر الأولى بحثاً عن كل ما يمكن بيعه أو حتى بقايا طعام يسد جوعهم.

ورصد مواقع صورا لنساء مسنات وأطفال ينبشون داخل حاويات القمامة محملين بأكياس يجمعون بداخلها عبوات بلاستيكية لبيعها أو ثياب لارتدائها.

وتجوب إحدى جارتها معها رفقة طفليها شوارع الحسكة، الذي يغص بالمنظمات الإنسانية الدولية التابعة للأمم المتحدة، منذ الساعة الخامسة صباحاً لعلها تحضى بحاوية لم يتم نبشها بعد.

وتقول إنها تنبش يومياً عشرات الحاويات بحثاً عن علب بلاستيكية ومواد نحاسية أو معادن ومواد يمكن بيعها أو حتى ثياب رثة لها ولأفراد عائلتها.

لا تجني من عملها الشاق هذا أكثر من 8 آلاف ليرة سورية يومياً (1.5 دولار أميركي) في أفضل الأحوال، وتضيف أن “كثيراً ما نعود للمنزل بعد ساعات عمل شاقة من دون أن نجد ما يمكن بيعه من جراء تزايد عدد الأشخاص ممن ينبشون القمامة في الأشهر الماضية.

والذي دفعها لنبش القمامة هو الفقر ومرض زوجها لإبعاد أطفالها الثلاثة عن المدرسة، إذ يعمل أحدهم في المنطقة الصناعية في حين اختار آخرون مرافقتها في أثناء نبشها للقمامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.