حلب – مروان مجيد الشيخ عيسى
نشر برنامج الأغذية العالمي تقريرا عبر موقعه الرسمي، واصفاً زيارة أجراها خلال شهر أيلول الفائت إلى أحد منازل مدينة حلب ليلتقي “غفران”، الأم التي أتقنت ممارسة الفنون القتالية (التايكوندو).
ويقول: كانت زيارتي لمنزل غفران في مدينة حلب في الشمال السوري مذهلة. شخصيتها تبهرك على الفور. ربما يمكنك القول إن لديها هالة -على الرغم من أنها متواضعة للغاية، إلا أنه كان لديها حضور. لم يكن إحساسي خاطئاً، إذ اتضح لي بأنها كانت منافسة في الفنون القتالية وبطلة تايكوندو.
وقد نشأت غفران في عائلة كبيرة، كان لديها عشرة إخوة “ثمانية أشقاء وشقيقتان”، كانت متفوقة في ألعاب القوى في المدرسة، وبحلول عامها الأخير، بدأ مشوار أحلامها الكبير.
وتقول غفران: “كان أخي المقرب، لؤي، يمارس فنون القتال، ومن خلاله وجدت شغفي بالتايكواندو لأول مرة.”
ينير وجه غفران عندما تتحدث عن التايكوندو، وبكلماتها الخاصة: “التايكوندو ليس مجرد فن، إنه يعلمك الأخلاق ويعلمك الصبر ويعلمك التصميم”.
بعد ثماني سنوات من انطلاق مسيرتها، أصبحت غفران أماً لطفلين ونما سجلها في التايكوندو بثلاث ميداليات، واحدة ذهبية وفضيتين -ولكن بينما كانت تستعد للمنافسة على المستوى الأخير، الحزام الأسود، أخذت حياتها منعطفا مأساويا.
ففي عام 2011، اندلع الصراع في الحي الذي تقطنه غفران، وأودى بحياة زوجها واثنين من أشقائها. وكانت حبلى بابنها الأصغر، حمزة، في شهرها الثالث عندما تركت كل شيء وراءها وهربت من حلب مع أطفالها.
تركت غفران معظم ممتلكاتها وراءها، إلا أن الشيء الوحيد الذي حرصت على اصطحابه معها هو الحقيبة التي احتفظت فيها بكل معدات التايكوندو: لباسها، وكل الميداليات التي فازت بها، وكل الصحف التي تذكر إنجازاتها، أدت الضغوط الحياتية إلى تركها للجامعة، فلم تكمل تعليمها وتحصل على الشهادة.
وبحلول عام 2016، خمد الصراع أخيراً في حلب، وعادت غفران مع أطفالها الثلاثة، لتجد منزلهم مدمرا بالكامل.
ولحسن الحظ، كان لديها إمكانية الوصول إلى شقة يملكها والديها اللذين هربا أيضاً جراء القتال، إلا أنه كان متضررا أيضا.
وتقول غفران: “كانت غير صالحة للسكن، أرضياتها مغطاة بغبار الأسمنت، وجدرانها متضررة، وكانت قد نُهبت ولم يكن بها نوافذ أو أبواب”.
بما أن الشقة كانت آخر بصيص أمل لأطفالها، استحضرت غفران قوتها وشمرت عن سواعدها وبدأت بالعمل، وقالت بكل فخر: “بفضل سجلي في التايكوندو، كان لدي القوة اللازمة للقيام بالمهمة، لقد أصلحت الجدران بيدي”.
من أجل كسب لقمة العيش، تولت غفران وظائف التنظيف والطهي والدروس الخصوصية، والتي كانت مجتمعةً تدخل ما يكفي من المال للعيش مع أطفالها، ولكن الانكماش الاقتصادي منذ العام الماضي أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار في جميع أنحاء البلاد، فانخفض دخل غفران عن تغطية نفقاتها، وهناك التفتت إلى برنامج الغذاء العالمي.
وقالت: “في البداية، كنت أتلقى سلة طعام كل شهر وكانت تجلب الكثير من الفرح لأولادي، ولكن بعد ذلك تم إعطائي خيار تلقي مزيج من المساعدات الغذائية والنقدية وكان ذلك أفضل لأنه سمح لي بتنويع الطعام بشكل أفضل في نظامهم الغذائي”.
ووسط ارتفاع الأسعار، كان على غفران تعلم بعض طرق الطبخ، فقالت: “لا بد لي من تقنين الطعام لأطفالي، لأنهم إذا أكلوا بحرية، فلن يكون الطعام كافيا”.
عندما تطبخ البيض، تخلطه مع قطع الخبز المقلية لتدعيم الوجبة. تحاول أيضاً أن تستفيد قدر الإمكان من الجبنة حيث تهرسها لإعداد السندويشات للأطفال.
وقالت غفران : “أستبدل الحليب بالشاي، أعلم أنه أقل تغذية بكثير لكن ليس لدي القدرة على شراء الحليب، وهم بحاجة إلى مشروب لمساعدتهم على ابتلاع طعامهم، أشعر بالمرارة لأجلهم.
واليوم، تواصل غفران إعالة أطفالها الثلاثة بالإضافة إلى اثنين من أبناء أخيها الذين فقدوا والديهم خلال النزاع، وقالت بصوت هادئ: “أنا ممتنة لأن أطفالي أصبحوا بخير، سأستمر في دعمهم حتى يصلوا إلى أعلى الدرجات في تعليمهم، هذه رسالتي في حياتي الآن.