الشيخ مجول المصرب كان أحد أشهر أمراء بادية حمص في أواخر القرن التاسع عشر وأبرزهم في قوة شخصيته وثقافته الواسعة التي كانت شيئاً نادراً بين أبناء البدو آنذاك إضافة إلى اتقانه لأكثر من لغة
منذ صغره درس اللغتين الفرنسية والتركية وتاريخ سوريا وبخاصة تاريخ الآثار والأوابد ليكون دليلاً للسياح وعلماء الآثار الذي يرتادون الصحراء وكان مجول جميل الطلعة ذكياً سريع البديهة حاضر النكتة يتصف بكل ما يتصف به العربي من كرم ونبل وشجاعة وفصاحة وحب المغامرة وولع بالمغازي وكان الوحيد من أبناء قبيلة السبعة الذي يجيد القراءة والكتابة
وكان الشيخ مجول مضرب المثل لدى الأجانب فالدكتور فتزشتاين المعاصر لهذه الفترة يقول في مقالة له عن أسواق دمشق: أول قادم نحونا كان رجلاً فارع الطول جميلاً يتلفت بعينيه الواسعتين البراقتين إنه يشبه الشيخ مجول العنزي الذي تزوجته جين دغبي وتعيش معه في جنة دمشقية ويضيف فتزشتاين: وهي معذورة إذ ضحت من أجله بأوروبا وصالوناتها ومسارحها وجوقاتها.
علاقته مع البريطانية جين دغبي
كانت جين دغبي ابنة الجنرال هنري دغبي سليلة عائلة ارستقراطية كبيرة في بريطانيا بدأت حياتها بسلسلة من المغامرات العاطفية فتزوجت أولاً من سياسي بريطاني نبيل وانتهى هذا الزواج بعد سبع سنوات أثر فضيحة مدوية لم يشهد لها المجتمع الانجليزي مثيلا إذ عشقت أميراً نمساويا كان موظفا في السفارة النمساوية في لندن كما وقع في حبها ملك بافاريا لودوبغ الأول ثم تزوجت أحد البارونات الألمان وأنجبت منه طفلين ثم طلقت منه بعد فضيحة جديدة انصرفت بعدها إلى حب جديد مع البطل الألباني الحاج بطرس وعلى ذلك يحق لبلزاك الأديب الفرنسي الذي تعرف إليها في باريس وكان من رواد صالونها الأدبي أن يشبه عواطفها بالعواطف الهوجاء التي تجتاز الصحارى المحرقة ويبدو أن عواطفها اجتازت الصحراء حقيقة هذه المرة عندما قررت أن تقطع كل صلة لها بما مضى وحزمت حقائبها ميممة صوب الشرق في رحلة تبدأ ببيروت وتخترق بادية الشام بطريق تدمر نحو بابل بحجة اقتناء الخيول العربية وشاءت الأقدار أن يكون مجول المصرب هو رفيقها في هذه الرحلة لأن الأجانب كانوا يستعينون بمرافقين من البدو لحمايتهم من اللصوص وقطاع الطرق في طريق البادية كانت جين دغبي ومجول يتقدمان القافلة ويلهوان بالطراد وبالقنص وهو يقص عليها قصصاً مسلية عن حياة البادية وعن وقائع العربان وطرائف الآثار وهي تضحك ملء قلبها لمزاحه اللطيف و في أجواء البادية الشاعرية نما الإعجاب الذي كان مدخلاً إلى الحب وكان الأمر يحتاج إلى شرارة وسرعان ما اتقدت هذه الشرارة فقد داهم القافلة غزو من إحدى القبائل فجزعت جين جزعاً شديداً وأبدى مجول بسالة فائقة في رد الغزو وهكذا بدأت قصة الحب الجديدة وكان آخر حب وأقواه بالنسبة إلى جين التي طلبت الزواج من مجول دون خفر أو حياء فرفض بإباء وبعد تمنع وشروط من الطرفين ومداولات ذهبت إلى أثينا وحصلت على الطلاق وجلبت أموالها وعادت إلى سوريا خفية هرباً من قنصل بلادها في دمشق وفي البادية تزوجت مجول على طريقة البدو أمام شيوخ العشيرة ويقال أنها مهرته بهدية 25 ألف إسترلينية
أقام مجول مع زوجته في حمص الفترة من ١٨٦٧ إلى ١٨٧٢ ثم انتقلا إلى دمشق وهناك ابتاعت بستاناً وبنت فيه سبعة منازل خصت نفسها بأحدها ووهبت الباقي لرهط من العلماء الذين اهتموا بتعليمها اللغة العربية وتدريب مجول على قراءة القرآن الكريم وتفهم معانيه وبقيت مخلصة لزوجها أربعين عاما لم تراسل خلالها أحداً من أهلها سوى شقيقها وكانت جين تمضي أيام الشتاء في دمشق وأيام الصيف في البادية وأحبها أبناء قبيلة السبعة وأطلقوا عليها اسم أم اللبن لشدة بياض بشرتها وكانت جين تقوم بكل ما تقوم به نساء القبيلة من حلب للنوق وخدمة للزوج وزادت على ذلك أنها كانت تمتطي حصانها وتحارب مع رجال القبيلة.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى