إن شهادات المعتقلين في مسالخ النظام السوري الذي هو توصيف غير كاف لاختزال طبيعتها يمكن تقسيم أحداثها إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة حافظ الأسد أولاً ومن ثم وريثه بشار في الأولى شكلت أحداث السبعينيات والثمانينيات رافداً لملء السجون زج عشرات الآلاف في المعتقلات خصوصاً من الإخوان المسلمين وتنظيمات يسارية وبعد ما قيل يومها عن محاولة اغتيال تعرض لها حافظ الأسد تنوعت مجازر النظام خارج السجون وداخلها ووجدت طريقها إلى سجن تدمر تحديداً حيث اقتص السجانون من معتقلين عزل ودماء وآثار رصاصات المجزرة كانت حتى سنوات قليلة ماضية ملتصقة بجدران المعتقل كما يروي “علي أبو دهن” وهو أحد اللبنانيين الذين سجنوا في سورية لسنوات ووثق تجربته في كتابه عائد من جهنم ذكريات من تدمر وأخواته
والمرحلة الثانية الرئيسية في عهد الابن ظهرت بشكل خاص بعد إجهاض ربيع دمشق قبل نحو عقدين ومن ثم عقب اندلاع الثورة في عام ٢٠١١ اختلفت الأزمنة ولم تختلف أساليب الجزارين بمختلف مستوياتهم فهم ينهلون من مدرسة إجرامية واحدة لا تعرف سوى القتل والبطش والتنكيل وتمجيد قاتل يطلق عليه صفة قائد تفنن هؤلاء في تعذيب المعتقلين ومحاولة حرمانهم من آدميتهم يكفي تصور أن أساسيات الحياة من تناول ما يكفي من الطعام، الاستحمام، دخول المرحاض، وحتى الحصول على حبة دواء من سابع المستحيلات شهادات عن إجبار المعتقلين على أكل الفئران والحشرات تعرضهم الدائم للضرب بغرض القتل ومن ثم تسجيل سبب الوفاة وقع في الحمام وحتى إجبارهم على إيذاء بعضهم بعضا بأوامر من الجلاد مجرد يوميات معتادة في حياة هؤلاء مر خلال العقود الخمسة الماضية أقله على هذه السجون مئات آلاف المعتقلين قتل عشرات الآلاف منهم بعدما عجزوا عن التحمل وهو رقم غير مبالغ فيه ويكفي العودة إلى صور قيصر الذي وثق جثث المدنيين ممن قتلوا على يد النظام بعد الثورة وحتى انشقاقه في ٢٠١٣
أي خلال عامين لتصور حجم المجازر التي ارتكبت داخل جدران الأفرع والسجون أما من بقوا على قيد الحياة فهم يحملون على أجسادهم وفي ذاكرتهم ندوباً أبدية عن مسالخ يدركون أنهم نجوا منها لكنهم يعرفون أيضاً أنها لا تزال تفتك بحياة معتقلين آخرين.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى