لو نظرنا إلى ممارسات حافظ الأسد وابنه من بعده بشار الأسد الطغيانية الاستبدادية لم يعد من إمكانية للحديث عن استبداد مشرقي ولا طغيان يوازي أو يجاري ما فعلته سلطة الأسد الأمنية ودولته الأمنية المفترضة فلا شيء يعلو على استبداد الأسد ولا إمكانية للحديث عن ما يشبهها وهي بالضرورة ليست آتية أو نابعة أو منبثقة كما يقولون من الدولة العميقة حيث لم يبق على يد الأسد لا دولة عميقة ولا كيان دولة أصلاً بل جملة سلطات أمنية عصبوية غاية في السوء والقمع وانتهاك الحرمات والتعدي على الإنسان أي إنسان
فالإنسان المهدور هو السمة الأبرز لمنتجات السياسة الداخلية والإقليمية التي تؤسس لانبثاقات عصاباتية لا تلوي على شيء عندما يكون الموضوع متعلقاً بوجودها وكياناتها أو باشتغال وطني سياسي قد يؤدي إلى إزاحتها من السلطة حتى لو كان العمل مدنياً أو سلمياً وهو ما شهدته سورية في ثمانينيات القرن الفائت، عندما تم تدمير مدينة بحالها فوق رؤوس ساكنيها حماة على يد ميليشيات حافظ الأسد وأخيه رفعت وتم إعادة مسح وإمحاء للمدينة بشرياً وعمرانياً فقط لأنها قالت لا لسياسات الأسد وكذلك هو الحال بعد ٢٠١١ عندما فكرت جموع السوريين في القول بملء الفم لا لاستمرار اختطاف الوطن وبيعه في سوق النخاسة على يد الدولة الأمنية التي يتربع على تلتها السفاح بشار الأسد وهي الثورة السلمية المدنية التي استمرت بسلميتها لما يزيد عن ٦ أشهر حيث لم تشفع لها سلميتها كي تحتمي بها أو منع الطغيان الأسدي من الخوض في دمائها قتلاً وتدميراً واعتقالات حتى تجاوزت أعداد المعتقلين السوريين على يد سلطة الاستبداد ٩٠٠ ألف مواطن سوري وتجاوز عدد ضحاياها المليون ونيف وعدد مهجريها ١٤ مليوناً بين نازح داخلي ومهجر قسري أو لاجئ في بلاد الله الواسعة علاوة على تدمير البنية التحتية السورية بنسبة ٦٥ بالمئة حسب إحصاءات أممية وتفكيك بنية المجتمع السوري والعبث في أنساقه الاجتماعية والتشبيح على أرزاقه وممتلكاته واستجلاب ما يزيد عن ٢٠٠ ألف مرتزق من الميليشيات الطائفية الإيرانية والعراقية واللبنانية والباكستانية والأفغانية حتى بات الوطن السوري ساحة دولية بمعية دولة الاستبداد وعصاباتها للقتل والتعفيش والهدم وزج كل من يعارض سياساتهم في أتون أقبية الظلام التي من النادر أن يخرج منها من دخلها إلا في إطار صور لجثث كصور قيصر المعروفة دولياً ولم تسلم المرأة السورية أبداً من عسف وقمع الأسد ولم تشفع لها أية تواريخ أو قيم مجتمعية أو أخلاقية فقد أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مؤخراً تقريرها السنوي العاشر عن الانتهاكات بحق الإناث في سورية وجاء في التقرير الصادر بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة أن ما لا يقل عن ٢٩٠٠٠ أنثى قد قتلن في سورية منذ آذار ٢٠١١ و ٩٣ منهن بسبب التعذيب وو١٠٦٢٨ أنثى لا يزلن قيد الاعتقال إضافة إلى ١١٥٢٣ حادثة عنف جنسي استهدفت الإناث مشيراً إلى أن غالبية الانتهاكات كانت على يد النظام السوري ففي التاريخ القديم والحديث للأمم الكثير من حالات الطغيان النازي والفاشي والعديد من ممارسات طغيانية يندى لها جبين الإنسانية وهو ما أدى إلى تشريع القانون الدولي الإنساني وما دفع المجتمع الدولي والإنساني إلى إصدار الإعلان الدولي لحقوق الإنسان في ١٠ كانون الأول لكن ما فعله نظام الأسدين فاق كل التوقعات وكل ممارسات من سبقهم هذه الممارسات والأفعال الشنيعة التي تعتبر حسب رؤيتنا أعلى مراحل الاستبداد وأشنعه فما يمارس داخل معتقلات السلطة السورية الأسدية لا يفوقه أي شيء فلقد مارسوا كل أنواع وأشكال التعذيب في الدنيا بل واخترعوا أساليب أخرى جديدة لم يعرفها سواهم من القامعين قبل ذلك فكانت حياة الناس داخل المعتقلات والسجون والأقبية لا تساوي شيئاً ولا يوازيها أي فعل جرمي وهي خالية من روح وماهية الإنسانية قولاً وفعلاً عبر الانجرار إلى اختراع أساليب تعذيبية لا يحاكيها أي فعل سبقها على يد أي سلطة طغيانية وهذا ينتج توصيفات متجددة لسمات الدولة الأمنية السورية الأسدية وتعيد قيام الجرم اللاإنساني على أُسس جديدة تدفعنا دفعاً إلى الحديث على أن ما يقوم به شبيحة الأسد وأدواته يشير إلى أن الإنسان الذي يقع بين أيديهم من الصعوبة بمكان الاقتناع بأنهم ينظرون إليه على أنه إنسان أو مجرد مواطن سوري أو ينتمون معه إلى وطن واحد ومستقبل يفترض أنه واحد فكانوا ولايزالون أكبر طغاة في العصر الحديث.