أصوات.. ترتفع من أجلها الزغاريد

من الذي ارتأى أن العفة ترتبط بالطهارة والختان ،من ذاك الذي أجازه ليحرم المرأة من أبسط حقوقها ، ولماذا يسمونها طهارة وهي بعيدة كل البعد عن طهارة النفس، من ذاك الذي أجاز له بعدا دينيا فيجرد المرأة من أحاسيسها.

روت فتيات كثيرات قصة ختانهن، التي تحبس الأنفاس لمجرد سماعك لها أو قراءاتك إياها
تروي فتاة قصة ختانها تقول عندما كنت في السابعة كنت كعادتي أتجول في الحقول وعندما عدت سمعت صوت أمي وأبي يتحدثون عن ختاني ،فرحت كثيرا لأن الختان في خيالات طفولتي كان ملابس جديدة وشراشف جديدة زيارة للأهل ونقوط وهدايا وحلويات طعام يقدم لي لايشبه طعام إخوتي ، زفة وزغاريد لم أعي حينها أنهم يؤدونني ، زفوني في موكب جلل إلى النيل ليمسحوا وجهي وجسدي بمائه لاتخلص من الدنس ،لا أعلم أي دنس تحمله طفلة في السابعة ،ترسم في الحقول على جانب الجداول حلمها المجدول.
زفني الموكب بعدها لعيادة طبيب بدلا من قابلة ليشرّعوا فعلتهم ويجعلوا من جريمتهم أمرا مباحا، تقول عندما وصلت للعيادة دب الخوف في جسدي الصغير أخذت الطبية أبرة البنج شعرت بوخزتها ولم أشعر بعدها بشيء ،وعندما استيقظت رأيت الجميع يهلل ويزغرد وآخرون يصرخون من حولي لم أدرك ماحل بي شاهدت والدتي تجلس بقربي وعينها غارقة بالدموع ، ليعطي الطبيب بعدها مجموعة من الإرشادات ، أخذوني للمنزل ووضعوني على الشرشف الجديد الذي فرحت به حينها ، وبعد بضع ساعات من عودتي أحضرت لي والدتي الطعام لتراني غارقة في دمي ،وأدركوا بعدها أن الطبيب قد قطع لي الشريان الرئيسي ليستفيقوا بعدها على مأساتي أخذوني للمشفى كنت محظوظة لبقائي على قيد الحياة في الوقت الذي لم يحالف الحظ الكثيرات من ضحايا الختان ، تلك الذكرى لاتبرح مخيلتي، تحديت المجتمع وقررت أن لا أخضع للختان مرة أخرى.
هذه قصة فتاة من ملايين القصص لضحايا “ختان الإناث”
هناك العديد من الإناث اللواتي يخضعن للختان بعد زواجهن أيضا حيث يقايض الأزواج بين طلاقهن وبين عملية ختان أخرى كنوع من الحفاظ على العفة والشرف كما يروى هؤلاء الأزواج.
والتي لا أرى فيها سوى عجز الرجل أمام زوجته لينتقم منها بالختان ، ويتهمها بعد ذلك بالبرود الجنسي.
العفة في النفس وليست في الجسد بدليل وجود علاقات زنا كثيرة جداً بوجود الزوج، وبالعكس. فالزوج يكون أحياناً غطاء اجتماعياً جيداً للخروج”.

تشير المنظمات الحقوقية إلى أن عادة الختان، برغم التوعية، ما زالت تُمارس على نطاق واسع في الكثير من الدول العربية والإسلامية ، معتبرة أن التوعية لن تكون فعالة إلا إذا تغير الخطاب الديني المتشدد تجاه المرأة، فبالرغم من أن “الخطاب الديني رفض الختان لكنه لم يُفعّل خطاباً حقيقياً لتفاديه كما فعل في ترسيخ خطاب الطاعة المطلقة للزوج”.

ورواية أصوات للكاتب المصري سليمان فياض التي تتحدث عن ختان امرأة فرنسية بعد أن اقترنت بزوج صعيدي ،ليعود بها من الغرب من القاعات الفارهة والفاخرة وشوارع باريس الصاخبة لينتهي بها المطاف في غرفة تسلب منها رونق الحياة وصخبها فتتجمع عليها نسوة القرية ويختنونها عنوة في مشهد شديد البشاعة ،تأتي الرواية لتقول: يخشى الوعي المقموع المُحاط بالجهل من أن يستيقظ يوماً، لأنه ألِف حالة الركود والتأخُّر، ويرفُض أن يرى نفسه أو يراهُ الآخر بعيونٍ جديدة، ففي تلك العيون تهديد لتقاليده الراسخة التي يصونها حُرّاسُها الأتباع، ويُبرّرها بعض المسؤولين والوُعاظ.
وشرع الختان في عديد من الدول حيث خرج من كون الاعتقاد أنه لا ضرر في الختان، إذا تمّ على يد طبيب.

وقد كان هذا ناتجاً عن خطأ في الخطاب المناهض لختان الإناث ، الذي دفع الناس إلى تطبيب الختان، والقيام به عن طريق طبيب أو طبيبة بدلاً من القابلات و”حلّاقي الصحّة”، ظناً منهم أنهم بذلك يتفادون أضراره.

لكن ختان الإناث لا يُدرّس في كلية الطبّ، بمعنى أنه ليس هناك شيء يمكن دراسته اسمه “ختان الإناث”، وإنما هي اجتهادات في فعلٍ واحد، وهو بتر وتشويه الأعضاء التناسليّة الأنثويّة، التي خلقها الله مكتملة، وخلق لكلّ جزء منها وظيفته.
وختان الإناث يعتبر دوليا من أبشع الجرائم التي تمارس ضد المرأة ، فعملية الختان تشكل صدمة ومأساة بالنسبة للفتيات اللواتي تعرضن له ، وتسبب صدمة كبيرة أثناء الزواج لأن الأنثى تحمل في مخيلتها مأساتها وصدمتها مدى الحياة عندما تعرفت على جسدها لأول مرة فكيف لها أن تتجاوز الصدمة التي سلبت منها الحلم الوردي بالزواج.
عادات وتقاليد بالية أرهقت النساء نفسيا وزُهقت أرواح بسببها.
فالمرأة ليست فقط نصف المجتمع إنها مجتمع كامل ورغم ذلك تتعرض للعنف الجسدي ، ضحايا الختان يعانون من أضرار جسدية وشرخ في الروح والنفس ، فتلك العفة المصطنعة، سلبت أرواحهم وأوأدتهم وهم على قيد الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.