مدينة القيروان منارة الأمس وبوابة العلم والأدب،،

يعود تاريخ القيروان إلى عام 50 هـ وأنشأها عقبة بن نافع وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون وقد كانت مدينة القيروان تلعب دورين هامين في آن واحد هما الجهاد والدعوة فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والتوسعات كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام.

ومنها انطلقت حملات الفتح الاسلامي نحو الجزائر والمغرب وإسبانيا وإفريقيا وتعتبر القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي ومن أقدم وأهم المدن الإسلامية.

كلمة القيروان هي كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب.

ولقد بقيت القيروان حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزا حربيّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية ووقد ارتبطت القيروان ارتباطا وثيقا بعقبة بن نافع وقولته المشهورة عندما بلغ في توسعاته المحيط الاطلسي وهو يرفع يده إلى السماء ويصرخ بأعلى صوته : اللهم اشهد أني بلغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك.

اختيار موقع القيروان

جمع عقبة بن نافع بعد انتهائه من بناء مدينة القيروان وجوه أصحابه وأهل العسكر فدار بهم حول مدينة القيروان وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه اللهم املأها علما وفقها وأعمرها بالمطيعين والعابدين واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك وأعز بها الإسلام.

ولقد نسب تأسيسها الى عقبة ابن نافع على عدة مراحل واسهم فيه عدد من القادة العسكريين ولقد مكنت معركة سبيطلة في سنة ٢٧هـ عبد الله بن سعد بن ابي سرح من التحكم عمليا في قيادة مقاطعة المزاق البيزنطية بعد تراجع البيزنطيين الى ما وراء خطوطهم الخلفية المحصنة التي كانت تحمي مقاطعة البروقنصلية وليس من المحال ولا من الغريب ان يكون اولئك الفاتحون الاولون قد بلغوا آنذاك في غاراتهم نواحي القيروان قبل الانجلاء عن البلاد مقابل جزية ذات وزن وقيمة.

وقد هاجم الفاطميون المدينة وعاثوا فيها ورثاها ابن رشيق القيرواني بقصيدة جميلة قال فيها :

 

كَمْ كانَ فيها منْ كِرامٍ سادة ٍ بِيضِ الْوُجوهِ شَوامِخِ الإِيمانِ

مُتَعاوِنينَ على الدِّيانة ِ والتُّقى لله في الإِسْرارِ وَالإِعْلانِ

وَمُهَذَّبٍ جَمِّ الفَضائِلِ باذِلٍ لِنَوَالِهِ وَلِعرْضِهَ صَوَّانِ

وَأَئِمَّة ٍ جَمَعُوا العُلومَ وَهَذَّبُوا سُنَنَ الحَديثِ وَمُشكِلَ القُرآنِ

عُلَماءَ إِنْ سَاءَلْتَهُمْ كشَفُوا. الْعَمَى بِفَقاهة ٍ وَفَصاحَة ٍ وَبَيانِ

وَإِذا الأمُورُ اسْتَبْهَمَتْ وَاسْتَغْلَقَتْ أَبْوابُها وَتَنازَعَ الْخَصْمانِ

حَلُّوا غَوامضَ كُلَّ أَمرٍ مُشكِلٍ بِدليلِ حَقٍّ واضِحِ البرهان

هَجَروا المَضاجِعَ قانِتينَ لِرَبِّهِمْ طَلباً لِخَيْرِ مُعَرَّسٍ وَمغانِ

وَإذا دَجا اللَّيْل البَهيمُ رَأَيتَهُمْ مُتَبَتِّلينَ تَبَتُّلَ الرُّهبانِ

في جَنَّة ِ الْفِرْدَوْسِ أَكْرَمِ مَنْزِلٍ. بَيْنَ الْحِسانِ الْحُورِ وَالْغِلْمانِ

تَجِرُوا بِها الفِردوسَ مِنْ أَرباحِهم نِعْمَ التِّجارَة ُ طاعَة ُ الرَّحْمَنِ

المُتَّقينَ الله حَقَّ تُقاتِهِ. وَالعارِفينَ مَكايدَ الشَّيطانِ

وَتَرى جَبابِرَة َ المُلوكِ لَدَيْهِمُ خُضُعَ الرِّقابِ نَواكِسَ الأَذْقانِ

لا يَستَطيعُونَ الكلام مَهابَة ً. إلاَّ إِشارَة َ أَعيُنٍ وَبَنانِ

خافُوا الإِلهَ فَخافَهُمْ كُلُّ الْوَرَى حَتَّى ضِراءُ الأُسْدِ في الْغِيلانِ

تُنْسيكَ هَيْبَتُهُمْ شَماخَة َ كُلِّ ذي. مُلْكِ وَهَيْبَة َ كُلِّ ذي سُلْطانِ

أَحْلامُهُمْ تَزِنُ الْجِبالَ وَفَضْلُهُمْ كالشَّمْسِ لا تَخْفى بِكُلِّ مَكانِ

كانَتْ تُعَدُّ القَيرَوانُ بِهِمْ إذا عُدَّ المَنابِرُ زَهرَة َ البُلدانِ

وَزَهتْ على مِصْرٍ وَحقَّ لَها كَما تَزْهُو بِهِمْ وَغَدَتْ على بَغدانِ

حَسُنَتْ فَلما أَنْ تَكامَلَ حُسْنُها وَسَما إِليْها كُلُّ طَرفٍ رانِ

وَتَجَمَّعَتْ فيها الفضائلُ كُلُّها وَغَدَتْ مَحَلَّ الأَمْنِ والإِيمانِ

نَظَرتْ لها الأَيَّامُ نَظْرَة َ كاشِحٍ. تَرْنُو بِنَظْرَة ِ كاشِجٍ مِعْيانِ

حَتَّى إِذا الأَقدارُ حُمَّ وُقُوعُها وَدَنا القَضاءُ لِمُدَّة ٍ وَأوَانِ

أَهْدَتْ لَها فِتَناً كَلَيْلٍ مُظْلِمٍ. وَأَرادَها النَّاطِحِ العِيدانِ

بِمَصائِبٍ مِنْ فادعٍ وأَشائِبٍ. ممَّنْ تَجَمَّعَ مِنْ بَني دَهْمانِ

فَتَكوا بأمَّة ِ أَحْمَدٍ أتُراهُمُ أَمنُوا عِقابَ اللهِ في رَمَضانِ

ولاتزال مدينة القيروان مدينة العلم والمعرفة كما كانت منارة علم ومعرفة.  

إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى

تحرير: حلا مشوح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.