المضافة عند القبائل العربية مضيف ووناسة وقوانين وأحكام

منوع – مروان مجيد الشيخ عيسى

على امتداد أريافنا وقرانا المتناثرة ، لاتكاد تخلو قرية من تلك القرى من وجود عدد من المضافات التي أخذت تسميات عديدة منها : المضافة والربعة والديوان . حيث تعتبر المضافة أو الديوان إرث عشائري قديم متأصل في السلوك الاجتماعي لدى الإنسان العربي ، فظروف البادية والصحراء هي من أوجدت المضافة ، لتكون أول فندق عرفه مجتمع البادية والريف .

وقبل التطور العمراني كان جزء من بيت الشعر يخصص ليكون هو المضافة ومحطة إستراحة المسافرين . ولعل هذه الدواوين اتخذت طابعا منظما منذ القرن التاسع عشر إبان الحكم العثماني ، حيث لاوسيلة للتعبير عن المواقف الاجتماعية والسياسية إلا من خلال تلك الأطر الاجتماعية ذات التكوين العشائري والمناطقي .

فالمضافة تعتبر مؤسسة تربوية يتربى فيها صغار الأسرة ويتعلمون فيها عادات الكبار وتقاليدهم ، وهي أحد رموز الكرم والعطاء في ريفنا ، والتي مازالت حاضرة برونقها وتراثها في حياتنا .

وقد نشأت لتعكس عمل أبناء المجتمع وتلبي حاجة نشاطهم ولترسيخ عاداتهم وتقاليدهم ولقضاء وقت فراغهم الطويل .

وفي الواقع كانت العلاقات بين الناس لاتخلو أحيانا من مشاكل كثيرة ومتنوعة ، فكان من البديهي أن يتصدى اصحاب الشأن من الأهالي لحل هذه النزاعات . فكانت المضافة هي المكان المناسب ليعقدوا فيه اجتماعاتهم ، وعلى هذا نشأت المضافة لتكون بمثابة دار محكمة وتشريع وأداة تنفيذ . 

فالمضافة كان لها دورا في البناء الإجتماعي ومواجهة التغيرات التي تعترض حياة الناس ، كما لعبت دورا في تكريس القيم النبيلة وتعليم آداب الحديث وسرد الحكايات والأشعار ، وحل المشكلات والاتفاق على مسائل وقضايا مصيرية ، عداك عن دورها في استقبال الضيوف وحماية المستجير وايواء ومساعدة المحتاجين . 

ولابد للمضافات الكبيرة  ان يتوفر لدى أصحابها شرطان أساسيان : اولهما أن يتمتع صاحب المضافة بالمكانة الإجتماعية والهيبة المعنوية ، بالإضافة الى ماهنالك من سمات شخصية وخصائص خلقية وفطرية كالكرم والتسامح والرزانة وغيرها من الصفات الحميدة . وثانيهما توفر المكانة المادية اللازمة للإنفاق . 

لذا من البديهي ان ينحصر وجود المضافات في بيوت الشيوخ والوجهاء والكرماء والقادرين على ذلك .

واليوم مع تطور وسائل التواصل ، قد تبدو المضافة من الزمن القديم الجميل ، لكنها لاتزال في الجزيرة السورية على وجه الخصوص محافظة على طقوسها . 

فالزمن يبدو أنه غير قادر على تقليص الدور الإجتماعي لدواوين ومضافات اهلنا التي تعتبر جزء من الهوية التراثية ، والتي لاتزال تروي ردحا من تاريخ الآباء والأجداد وصراعهم مع الطبيعة وأياديهم وقلوبهم البيضاء ومضافاتهم العامرة والمفتوحة لكل عابر سبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.