في مشهد يعكس مرارة الواقع وتحديات ما بعد الثورة، يقف الأديب والمربي والحقوقي مروان مجيد عبدالله، أحد أوائل الثوار ضد النظام الأسدي البائد، اليوم بائعاً للخضار في شوارع دمشق. قصة عبدالله، التي بدأت بنضال مسلح ضد الظلم وانتهت بمرارة النسيان، تروي فصلاً مؤلماً من فصول الثورة السورية.
مروان مجيد عبدالله، الذي كان من أوائل من ثاروا ضد النظام، دفع ثمناً باهظاً لمواقفه. تعرض للسجن والتعذيب على يد قوات النظام، وخسر وظيفته كمعلم في المدرسة. لم يثنه ذلك عن مواصلة النضال، فحمل السلاح وقاد ثواراً في مواجهة النظام المستبد. وبعد أربعة عشر عاماً من النضال والتضحيات، وبعد أن انتصرت الثورة، كان الأمل يحدوه في استعادة حقوقه وكرامته.
لكن الواقع جاء صادماً. لم يُعد مروان إلى وظيفته، ولم يتم إنصافه أو إعادة جزء من حقوقه التي سُلبت منه. وجد نفسه مضطراً للبحث عن لقمة العيش لأطفاله وإيجار منزله، فكانت بسطة الخضار في شوارع دمشق هي الملاذ الأخير. هذا التحول المؤلم من قائد ثوري ومربي فاضل إلى بائع خضار يعكس حجم الإهمال الذي طال الكثير من رموز الثورة الحقيقيين.
صباح اليوم، وفي لحظة ألم ويأس، كتب مروان قصيدة بعنوان “فشة خلق”، عسى أن تصل كلماته إلى قادة الثورة الذين نسوا رفاق الدرب، بينما حصل “المطبلون” من أنصار النظام البائد على مراكز القرار، مما زاد من ألمه وحسرته. القصيدة تعبر عن عمق الجرح الذي يعانيه، وتساؤلاته عن العدل والإنصاف:
سجنت لثورة ضد الطغاة
منعت العلم والتعليم حيا
وعند النصر لم ارجع لعملي
فأين العدل ثوارا أبية
أعيش اليوم في همي وحيدا
وغيري يأكل الزاد الهنيا
فكسب المال عند البعض نصر
وكسب الجاه فعلا جاهلية
فدين الله لايرضى بظلم
وصمت مر مفروض عليا
فلا والله مانحتاج نصر
فعدل الله يعطينا سخيا
فحلمي اليوم تعليم للغة
حباها الله تبيانا نقيا
فلم أطلب من الدنيا سواها
فخير العمل تعليما رزيا
أخوض اليوم في مضمار حرب
لسد الجوع نجعلها نقية
فعند الصبح بياع لخضرة
وعند الفجر عتالا شقيا
ففخر المرء في تدبير عيش
بعفة عامل يهوى التقيا
يروغ البعض بحثا عن مناصب
وقلبي يكره النفس الدنية
إذا الأنذال تكرمها جيوش
فجيش الله لا يرضى البغية
فأرجو الله أن أرجع ليوم
يكون العدل إنصافي جليا
كلماتي…فشة خلق
قصة مروان مجيد عبدالله ليست مجرد قصة فردية، بل هي صرخة تعبر عن معاناة الكثيرين ممن ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحرية والكرامة، ليجدوا أنفسهم مهمشين ومنسيين في غمرة التحولات السياسية. إنها دعوة لإعادة النظر في أولويات ما بعد الثورة، ولإنصاف من يستحقون الإنصاف حقا