حرب المياه وأزمة الشعب السوري معها

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى 

أزمة المياه في سوريا ليست جديدة، فهي تعاني منها منذ عقود. إلا أن الحرب الدائرة في البلاد منذ سنوات، زادت من تفاقم الأزمة في السنوات الأخيرة، نتيجة ظهور أزمة الكهرباء ومواد الطاقة والعمليات التخريبية التي أثرت على البنية التحتية لمنظومة إمدادات المياه، فضلا عن عجز النظام  السوري في إزالة كل هذه المعوّقات في حل أزمة المياه هذه.

كذلك، بالتزامن مع عوامل تغير المناخ التي تزيد من مخاطر الجفاف وحرائق الغابات في جميع أنحاء العالم، إلى جانب الاحتباس الحراري، واجهت سوريا انخفاضا في مستوى هطول الأمطار خلال العامين الماضيين، وهو ما انعكس في تراجع إنتاج محاصيل القمح، خاصة في مناطق الجزيرة السورية سلة سوريا الغذائية، التي تشهد انخفاضا خطيرا في منسوب مياه نهر الفرات.

ولأن المياه من أهم جوانب الحياة، تسعى الدول إلى تأمين احتياجاتها المائية لضمان استمرارية الحياة لشعوبها. ولكن نتيجة مرور الأنهار عبر حدود العديد من الدول المتاخمة لبعضها البعض، فإن بعض الدول تتعمد استغلال مصدر المياه الرئيسي وبالتالي التعدي على حصص الدول المجاورة لها، متجاهلة المعاهدات الدولية عبر بناء السدود والقنوات وإنشاء البحيرات الصناعية، ما يُعد خرقا للقانون الدولي واستخدام المياه كسلاح سياسي، تحت إطار “حروب المياه”، للضغط على الدول الجارة، وهو ما تمارسه تركيا الآن ضد سوريا، ببنائها السدود على نهر الفرات وحبس حصة سوريا من مياه الفرات، إلى جانب قطعها لمياه محطة علوك، الواقعة في مدينة رأس العين بريف الحسكة، والخاضعة تحت سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني” المعارض، والمدعوم من أنقرة. حيث تغذي محطة علوك، كامل مدينة الحسكة وريفها ومخيمات النزوح الواقعة في الريف الجنوبي .

تتزامن أزمة الجفاف وشحّ المياه مع تدهور الأوضاع المعيشية وتزايد مخاطر ضعف الأمن الغذائي في البلاد، ما يشير إلى وضع كارثي يهدد السوريين، خاصة وأن مخاطر المجاعة في سوريا باتت تقترب، بحسب ما أشارت إليه التقارير الدولية مؤخرا. الأمر الذي يثير مخاوف جمّة بشأن مصير الأمن الغذائي والبيئي والوضع الاقتصادي بشكل عام، في بلد متهالك على جميع المستويات مثل سوريا، بعد الدمار الذي لحق ببُناها التحتية، إلى جانب غياب أي أفق لأي حل في البلاد، خاصة وأن العالم على أعتاب أزمة غذائية، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتداعيات أزمة جائحة كورونا، الممتدة حتى الآن.

وتعاني العديد من المناطق في العاصمة السورية، دمشق وريفها، من أزمة مياه وتداعياتها الاقتصادية والصحية، وعلى الرغم من التطمينات حول حلحلة الأزمة التي تنقطع لفترات طويلة، إلا أن الوضع لا يزال متفاقم.

وتتغذى دمشق، وأجزاء من الغوطة الشرقية بشكل رئيسي من مياه نبع عين الفيجة، بمعدل 700 ألف متر مكعب يوميا، بالإضافة إلى 120 ألف متر مكعب، توفرها الآبار التي يبلغ عددها في دمشق والمناطق المتصلة بها نحو 200 بئر، وتغطي بمجموعها في المواسم الماطرة نسبة 90 بالمئة، من احتياج دمشق الفعلي.

في حين مناطق ريف دمشق فتعتمد بشكل ثانوي على نبع عين الفيجة، بعد تغطية احتياج دمشق، حيث يتم تزويد بعض أحياء مناطق الريف بحوالي 77 ألف متر مكعب يوميا، ليبقى الاعتماد الرئيسي على مياه الآبار.

هذا وتعتمد تغذية مصادر المياه في دمشق وريفها بشكل رئيسي على الأمطار، ومعدلها السنوي 350 ملم في المواسم الماطرة، حيث يحظى حوض مياه نهري بردى والأعوج بنحو 2297 مليون متر مكعب سنويا من مياه الأمطار، التي توفر 881 مليون متر مكعب من المياه لمدينة دمشق، ما يجعل انخفاض معدل الأمطار العام الماضي إلى أقل من 200 ملم، يهدد العاصمة وريفها بالعطش، وفق تحقيق لصحيفة الشرق الأوسط.

كذلك، وتتيح الطبيعة المسامية للصخور تسرب معظم المياه المتساقطة بسرعة إلى باطن الأرض، لتشكل مصدرا استثنائيا للمياه من حيث العذوبة والغزارة، وهذا المصدر هو المهدد دائما بسوء إدارة الموارد المائية وزيادة الاستهلاك، نتيجة تركز الكثافة السكانية في العاصمة جراء النزوح إليها من المناطق الساخنة، بالإضافة إلى استنزاف مخزون المياه الجوفية بحفر المزيد من الآبار لحل مشكلة تأمين مياه الشرب. ففي هذا العام، تم منح نحو 423 ترخيصا لحفر آبار في دمشق وريفها، بينها 60 رخصة حفر آبار جديدة، والبقية توزعت بين تسوية وتعزيل وتجديد.

انحسار نهر الفرات في سوريا يتسبب بتهديدات وجودية لآلاف السكان، كما يهدد قطاع إنتاج الحبوب في كامل أنحاء البلاد. وفيما تساهم المعطيات الجيوستراتيجية في تفاقم الأزمة، يلمّح مراقبون إلى أن الأزمة قديمة، وقد ساهم سوء التخطيط، وفشل إدارة هذا الملف من قِبل النظام السوري ، في المزيد من التصحر والجفاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.