السينما السورية منذ البداية إلى انقلاب حافظ الأسد

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

في عام 1919 بنيت صالة “جناق قلعة” في حي الصالحية بدمشق من قبل الحاكم العثماني جمال باشا وعُرض فيها فيلم لاستعراض الجيش الألماني في برلين، فكان مدهشاً للناس ونال إقبالاً كبيراً، وشكل استخداماً مبكراً للسينما لترويج سياسات الدول، واستعراض قوتها العسكرية.

بعد صالة “جناق قلعة” افتتحت في دمشق ثلاث صالات سينما هي صالة “زهرة دمشق”و صالة “الإصلاح خانة” وصالة “سينما النصر”، حيث كانت تعرض أفلام أميركية وفرنسية. وتوالى افتتاح صالات أخرى في دمشق. أما في مدينة حلب فافتتحت في الفترة ذاتها دور للعرض السينمائي وهي “كوزموغراف” و”الاتحاد والترقي” و”باتيه” و”رويال”.

وانتشرت صالات السينما في كل المدن السورية، وبلغ عدد الصالات في دمشق وحدها بداية السبعينات 25صالة وفي حلب 24 صالة، مع نسبة حضور جماهيري عالية.

وإلى جانب الصالات، تحمس سوريون لإنتاج الأفلام، ففي العشرينات ،من القرن الماضي تم إنتاج أول فيلم سينمائي في سوريا، حيث قام كل من أيوب بدري وأحمد تللو ومحمد المرادي مع المخرج رشيد جلال بإنتاج فيلم صامت سموه “المتهم البريء” مستخدمين في تصويره آلة سينمائية ألمانية من طراز “كينامو” وصوروا الفيلم على شريط طوله 800 متر واستغرق التصوير 8 أشهر. وصورت مشاهد الفيلم الخارجية أمام كهوف جبل قاسيون، ومشاهده الداخلية في منزل المخرج رشيد جلال في حي المهاجرين. واجتذب الفيلم الكثير من المشاهدين، لدرجة حصول ازدحام أمام السينما.

وفي الثلاثينات أُنتج فيلم صامت آخر اسمه”تحت سماء دمشق”  للمخرج إسماعيل أنزور، ثم دخلت السينما الناطقة إلى سوق الإنتاج، على يد نزيه الشهبندر، الذي أخرج وأنتج أول فيلم سوري ناطق بعنوان “نور وظلام” عام 1947، من بطولة المطرب السوري رفيق شكري والممثلة اللبنانية إيفيت فغالي.

وفي عام 1956 نظمت إدارة معرض دمشق الدولي أول مهرجان سينمائي عربي على هامش فعاليات المعرض.وبعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 تأسست دائرة السينما والتصوير. ومع وصول حزب البعث للسلطة في عام 1963 تأسست المؤسسة العامة للسينما، وسيطرت على عملية تمويل وإنتاج الأفلام السورية وتوزيعها، إضافة إلى الرقابة على الأفلام العربية والأجنبية المستوردة. وبعد انقلاب حافظ الأسد عام 1970 حصلت انتكاسة في عدد دور السينما، وفي إنتاج الأفلام، وفي نوعية الأفلام المعروضة، وفي نوعية المرتادين.

فمن مرحلة البدايات إلى ما قبل عهد الأسد، انتقل عرض الأفلام من الشوارع إلى المقاهي، ثم إلى صالات السينما، فتغير جمهورها من المراهقين، إلى مرتادي المقاهي من الرجال، إلى الأسر المنفتحة على الثقافات الغربية، إلى عامة الأسر السورية. ومن عرض الأفلام الصامتة، انتقلت دور السينما إلى عرض الأفلام الناطقة، ومن الأفلام بالأبيض والأسود انتقلت إلى عرض الأفلام الملونة. أما من حيث الموضوع فحصل تطور كبير في نوعية الأفلام من أفلام التسلية والكوميديا الساذجة، إلى الأفلام ذات القيمة الأدبية والتاريخية، والأفلام ذات المضمون الناقد الاجتماعي والسياسي.

وكانت دور السينما في دمشق تقدم أحدث الأفلام العالمية والعربية وخاصة المصرية، وكانت تتسابق لاختيار أقوى الأفلام الأجنبية والعربية لنخبة نجوم السينما في العالم.

أما مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة فحصل احتكار وتأميم للسينما، فتغيرت آلية عمل المؤسسة العامة للسينما، وفرض على المخرجين قيود لتقديم أفلام متوافقة مع أيديولوجية النظام الرسمية، كما فرضت المؤسسة رقابتها على الفيلم خلال جميع مراحل الانتاج، وحصرت التمويل بمخرجين محددين معظمهم ممن تعلموا الإخراج في الخارج، كونه لا يوجد حتى اليوم مدرسة للإخراج في سوريا.

وتراجع الإقبال على دور السينما، وأفلس بعضها وتحول إلى صالات أفراح، أو صالات بيع الأثاث المنزلي، وانحدر مستوى معظم الصلات الباقية، وباتت تجتذب المراهقين من الذكور، وتعرض أفلام الكاراتيه والإثارة الرخيصة، وابتعدت الأسر عنها، وبات دخولها يعتبر عيباً، أو فعلاً مشيناً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.