الحكواتي أيقونة شهر رمضان المبارك في مقاهي الشام

في شهر رمضان المبارك قديما ولم تكن حياة التلفزيون ولا إذاعة ولا انترنت فكانت سهرات أهل الشام تقتصر على الذهاب إلى المقاهي من أجل الاستماع إلى الحكواتي ومهنة الحكواتي هي مهنة عرفتها بلاد الشام واشتهرت حلب ودمشق بها وأصبحت من التراث السوري يلقب بالحكواتي وهو الراوي الذي يجمع أبناء الحي في الأحياء الشعبية ليقص عليهم سيرة عنترة بن شداد وبني هلال والملك الظاهر وغيرهم وهو يجمع بين أحداث روايات مختلفة أحياناً وينوع ويضيف إليها أحداثاً مأساوية لم يكن قد رواها من قبل بحيث تضفي مسحة من الجدّة، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يظنون أنهم يستمعون إلى روايات يعرفونها

يقوم الحكواتي برواية السيرة وهو يروح ويجيء في وسط المقهى ويتوقف بين الحين والآخر عندما تتطلب العبارة نوعاً من التوكيد والكل ينظرون إليه باهتمام بالغ وهم يستمعون إليه وعندما يصل إلى نقطة هامة أو مغامرة شائقة وتبلغ الإثارة عند المستمعين أوجها يتوقف عن الكلام وقد يخرج من المقهى قليلاً أو قد يدخن مخلفاً وراءه بطله ومستمعيه وهم في قمة الإثارة ويحاول الجالسون قرب الباب منعه من الخروج بل إن بعضهم يتوسلون إليه بأن يعرفوا ماذا حصل لبطل السيرة إلا أنه ينسحب كأن يترك عنترة واقعاً في الأسر وقد يفاجئ الجميع بأن يمضي إلى البيت فيلحق به أنصار عنترة وقد يوقظونه بعد أن يكون نائماً كي يخرج لهم عنترة من السجن لكنه يعدهم بأنه سيفعل في اليوم التالي وهم مشغولون على عنترة وكيف سيخرج من السجن

يتحمسون في اليوم التالي ويجلس بعضهم وبعضهم يظل واقفاً لمعرفة مصير بطلهم ويشكلون مجموعات منفصلة وينهمكون في نقاش حاد حول شخصيات السيرة وأحداث المغامرة التي لم تنته وتزداد حدة الجدال شيئاً فشيئاً ويعبّر الحاضرون عن آراء متناقضة بحماسة منقطعة النظير كما لو أن مصير المدينة يتوقف على هذا القرار.

وعمل الراوي يكون على فترتين بين صلاتي المغرب والعشاء ويقف مستعيناً بكتاب ضخم يصطحبه معه بشكل دائم ويبدأ الكلام عن الشخصية التي غالباً ما تكون عنترة أو الزير سالم أو الظاهر بيبرس وتدور أحداثها عن البطولة والشرف والشجاعة ونصرة المظلوم والمحتاج وفي نهاية القصة لا بد أن ينتصر الخير. وكان الحكواتي يقوم بتجسيد الشخصيات وهو يبدأ بتحريك اليدين وهز الرأس ويتلاعب بالصوت فمرّة يؤديه عالياً ومرّة يؤديه منخفضاً ويضخم الأحداث ويجعل الجمهور يعيش انفعالات البطل إن كان في مأزق أو في محنة

هذه المهنة تتشكل من عدّة فنون، من ناحية وعليه أن يضفي الإثارة من عنده فهو يجيد السرد بحنكة الفنان المحترف وصاحب المخيلة الخصبة والأداء البليغ ويتقن أسلوب التشويق وإثارة الحماسة والتعاطف مع أبطال قصصه كما يطلق الحكمة والعبرة وقد يتحول إلى مصلح اجتماعي ولم يبق من أثر مهنة الحكواتي شيء لكن حاولت مؤخرا مقهى النوفرة وضع حكواتي يحاول استرجاع ذاكرة الشام الجميلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.