لقد كان لعملية الوعد الصادق تأثير كبير في منظومة العلاقات الاستراتيجية والعسكرية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، سواء على صعيد الحضور الأمريكي أو على صعيد الأمن الداخلي في دولة الاحتلال ، فقد أسقطت تلتك العملية الكثير من المسلمات والنظريات الأمنية والعسكرية وأثرت على التحالفات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط ، وقد تجلى ذلك في تحرك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا في مواجهة عملية الوعد الصادق ، وعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي كانت عملية الوعد الصادق المفتاح الرئيسي للإعلان عن موجة الاستقالات في المؤسسة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال، والتي بدأت بإعلان استقالة رئيس شعبة الاستخبارات أهارون حليفا من منصبه، واحدث ذلك هزة قوية في الداخل الإسرائيلي كونه أحد الأركان الهامة والمؤثرة في المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، وعندما يعلن عن تقديم استقالته فان هذا يعني إحداث صدى كبير في الشارع الإسرائيلي ، ومن بين الردود على تلك الاستقالة تصريحات رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الذي رحب بهذا الاستقالة وتمنى أن تكون لاستقالة القادمة لبنيامين نتنياهو ، وكان لهذه الاستقالة في هذا التوقيت بعد ستة شهور من الحرب دلالات هامة منها ، هناك حالة إحباط وفشل شدين داخل المؤسسة العسكرية في إسرائيل ، وقد صرح أهارون حليفا بعد الضربة الإيرانية أن القادم أسوأ واننا أمام أمر اصعب في المرحلة المقبلة مما أثار حالة من الهلع والخوف والرعب داخل الري العام الإسرائيلي لأنه شخصية أمنية وعسكرية هامة وعندما تصدر هذا التصريحات منه تؤدي الى مفاعيل كبيرة في المجتمع الإسرائيلي ، وكان حليفا قدم تقرير خطي قبل عملية استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق حول الاجابة على سؤال من المستوى السياسي الإسرائيلي هل ترد ايران في حال تم استهداف القنصلية في دمشق؟ كان الرد بكتاب خطي وموقع من أهارون حليفا بأن ايران لن ترد ، وعندما ردت ايران بعملية الوعد الصادق تبين أن الاستخبارات العسكرية يعتريها الكثير من الخلل والإخفاق ولم تعد تصيب الأهداف كما كان في السابق مما زاد من علامات السؤال حول كفاءة وجدارة اهارون حليفا، ودفع الى إعلان تقديم استقالته، و في كتب الاستقالة دعا حليفا الى تشكيل لجنة تحقيق رسمية وضرورة أن يطال منطق الاستقالات المستوى السياسي لان الإخفاق والفشل في عملية الوعد الصادق وطوفان الأقصى فشلا امنيا وعسكريا فقط، بل هو اكبر واعمق واخطر وكان فشلا استراتيجيا بمعنى أن المستوى السياسي ورئيس الحكومة يتحملون المسؤولية عن ذلك افشل ويجب عليهم الاستقالة أيضا.
لقد أدت عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023م تغيراً كبيرا في معادلات القوة وتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، وأسقطت الكثير من المسلمات التقليدية سواء في العقيدة الأمنية أو العسكرية في طبيعة العلاقة ما بين الاحتلال الإسرائيلي وقوى المقاومة في منطقة الشرق الأوسط، وهذا باعتراف العديد من الجنرالات في دولة الاحتلال وفرضت الكثير من الاعتبارات واهمها إعادة النظر في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي والذي كان قائما وفق المعادلة التقليدية على قواعده الأربعة ( الإنذار المبكر، والدفاع القوي، والردع المؤثر والحسم السريع) هذه القواعد سقطت بكل معانيها وتجلياتها في عملية طوفان الأقصى وعملية الوعد الصادق حين أخفقت المنظوم الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في التعامل مع طوفان الأقصى والوعد الصادق ولم تستطع تلك المنظومة تحقيق أي إنجاز وفق قواعد الأمن القومي التقليدية في دولة الاحتلال.
ولكن الأهم من ما حصل في طوفان الأقصى هو عملية الوعد الصادق والتي حطمت الكثير من المسلمات الأمنية والعسكرية والنظريات السياسية في منطقة الشرق الأوسط ، إذ انه لأول مرة منذ قيام دولة الاحتلال تنطلق صواريخ مجنح وصواريخ باليستية وطائرات مسيرة من دخل العمق الإيراني وتهاجم دولة الاحتلال ، وتعجر المنظومة الدفاعية العسكرية لحلف الناتو ولدولة الاحتلال عن مواجهتها وتحييدها، إذ تجندت قوات الناتو من دول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا لمواجهة تلك الصواريخ والمسيرات ولكنها فشلت فشلا ذريعا في منعها من الوصول الى أهدافها داخل العمق الإسرائيلي ، ومن جانب آخر فشلت كل الدفاعات المحصنة في دولة الاحتلال من مقلاع داود ومنظومة حيتس والقبة الحديدية في التصدي لها ، وهذا كشف مدى العجز في المنظومة العسكرية في دولة الاحتلال وعدم قدراتها الدفاعية في التصدي لتلك الصورايخ والمسيرات علما بانها صناعة إيرانية محلية.
وقبل أن يعلن اهارون حليفا استقالته ، اعلن مسؤول شعبة الأبحاث الجنرال عميت ساعار طلب إعفاءه من منصبه لأسباب صحية ، ومن الواضح أن ساعر سيقدم استقالته في المرحلة القادمة، وقائمة المرشحين للاستقالة في المؤسسة الأمنية والعسكرية كما يبدو أنها سوف تطول، وسوف يكون هناك مغادرة لقيادات عسكرية وأمنية من الصف الأول ودخول قيادات جديدة ، ومن المؤشرات على ذلك إعلان ما يعرف بقائد المنطقة الوسطى الجنرال يهودا فوكس عند انه سوف يقدم استقالته مطلع الصيف المقبل، وهذ مؤشر واضح على المرحلة الجديدة من الاستقالات والناتجة عن الفشل والإخفاق في 7/10/2023م وفي 14/4/2024م فكانت طوفان الأقصى والوعد الصادق متلازمة أسقطت الكثير من المسلمات الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال وادت الى إعادة التفكير في المنظومة والاستراتيجية الأمنية والعسكرية القائمة منذ عشرات السنين.
أعداد وتحرير
مدير وكالة BAZ الإخبارية في فلسطين
د حسين الديك