سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
من ينظر إلى ضحكة بشار الأسد الصفراء وهو في زيارة منكوبي الزلزال في حلب، يعلم حقيقة ما يفكر فيه ،لو أن عنده ذرة إحساس وإنسانية لبكى أولصمت أقل شيء .
رسائل كثيرة حملها الزلزال بما خلفه من الكوارث في المنطقة؛ ربما كان من أهمها تكرار اختلاط الدم السوري.
زلزال تخطّت أضراره قدرة دولة متقدمة مثل تركيا فكيف بشمال سوري يحاول أن يثبت نفسه وسط كل ما يحيط به من مؤامرات خارجية وداخلية لإفشاله وهدم مشروع ثورة حقيقية .
أهوال عاشها قاطنوا منطقة الزلزال التي أصبحت منكوبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى تقبّلوها وتقبّلها كل العالم لأنها أمر إلهي خارج قدرة وتدبير البشر.. أو لنقل تقبّلها أغلب العالم وليس كله؛ لأننا نرى أصواتاً تعلو شماتةً بالدول لتمرر حقدها فوق الضحايا والمشردين وصور المفقودين وأنين العالقين تحت الأنقاض.
كل هذه التصرفات ومثلها من المتسلقين الذين يحاولون حصد شهرة من خلال ما يحدث بأساليب مختلفة كبث الفيديوهات أو المنشورات أو تناقل أخبار غير موثوقة -وهذه وحدها جريمة بشعة- من شأنها أن تثير الرعب فقط لأجل الترند دون أدنى شعور بالمسؤولية كل ذلك يمكن قبوله أو محاولة استيعابه، أما ما قام به النظام السوري فهذا ما لا يمكن استيعابه.
فجرٌ دامٍ وأخبار متسارعة عن المناطق المنكوبة وأعداد الضحايا التي تتزايد، وقلبك يعتصره الألم وأنت تتابع على شاشة هاتفك المصائب التي حلَّت بالناس وتحاول الاطمئنان على أقاربك وأصدقائك من سكان محيط الزلزال بين ذلك كله يمر أمام عينيك خبر ربما هو الأغرب على الإطلاق: النظام السوري يقصف مدينة مارع.
خبر يجعلك تتساءل عن الطينة التي خُلق منها هؤلاء، وعن حجم الإجرام الذي تحمله تصرفاتهم، وعن حجم النذالة التي يبرعون في التعبير عنها بأشكال وطرق ربما لا تخطر على بال الشياطين أنفسهم.
إنّ مثل هذا التصرف يحمل في طياته الكثير من الإشارات والرسائل والمعاني ،الضعيف وحده من يستغل الفرص والظروف ولا يستطيع صنعها، وهذا تماماً ما يُسمى بالعجز المطلق ،حين يستغل النظام كارثة الزلزال ليرسل قذائف لن تكون أشد فتكاً بالناس من الزلزال، فهذا يصور حجم الإفلاس الذي بات يعيشه، وهذا الإفلاس على كل الأصعدة سياسياً وعسكرياً وحتى اقتصادياً؛ حيث سارعت مؤسسات الدولة في سوريا -إن صحَّ تسميتها مؤسسات دولة– إلى تخصيص أرقام وحسابات لاستقبال التبرعات المادية إغاثةً لمتضرري الزلزال قبل حتى أن يعرفوا حجم الأضرار بالنزول إلى مواقع الأضرار ومعاينتها كما تفعل كل الدول التي تحترم نفسها وتحترم أرضها وتحترم شعبها.
فحين يسارع نظام حكم إلى الاستفادة من كارثة طبيعية فهو نظام حكم مفلس، وحين يعجر عن إعطاء أقل التطمينات لشعبه ولو بالتصريحات والخطابات فهو نظام حكم مفلس، وحين يصرخ ساعدوني مستغيثاً الصناديق الدولية قبل أن يعلم حجم الدمار ومقدار الحاجة فهو نظام حكم مفلس، والأكثر ألماً من هذا كله حين يفرض على المواطنين الراغبين بالمساعدة أو التبرع بالدم أو الدخول إلى المشافي للاطمئنان على ذويهم أو التوجه إلى المناطق المنكوبة لمساندة فرق الإنقاذ -إن وُجدت- أن يحصلوا على تصاريح أمنية من فروع الإجرام التابعة له ،حين يحصل ذلك فهذا يعني قمة الإفلاس ليس السياسي والاقتصادي والعسكري بل والأخلاقي والإنساني أيضاً، وهذا ما سبَّبَ ويُسبب تزايد النقمة عليه حتى من الموالين له يوماً بعد يوم.
فلم تقف تصرفات النظام عند هذا الحد من استغلال الكارثة ،فلقد تجاوز ذلك كله إلى نشر وسم (هاشتاغ) عبر مؤيديه والعميان من المشاهير أو الفنانين مفاده ارفعوا العقوبات عن سوريا في محاولة جديدة بائسة لإنقاذ وتعويم نظام الإجرام والنهب والسرقة رغم التصريحات الرسمية من الجانب الأمريكي ومن الخبراء والمحللين التي بيّنت للعالم أن العقوبات المفروضة على النظام السوري بفعل جرائمه لا تشمل المساعدات الإنسانية، وأنّ المساعدات الإنسانية تصل عن طريق المعابر المخصصة لذلك وبشكل طبيعي وميسر.
فحتى الفن في سوريا يتاجر بالإنسانية ليظهر عارياً منها أمام العالم، دعوات من فنانين ومؤثري سوشال ميديا نشاهدها اليوم هنا وهناك تناشد وتطالب بالخطاب السوري السوري، وتنادي بوحدة المصير ووحدة الدم ووحدة المصيبة وطي صفحة الماضي، وكل ذلك بأداء تمثيلي محترف تملؤه الحسرة على مصائر الناس ،هذه الحسرة التي لم نشعر بها وبراميل النظام المتفجرة تفعل بالسوري الأعزل مثل ما فعل الزلزال الآن، حسرة لم نشعر بها ودبابات الجيش السوري تدهس أحلام السوريين بالعيش الكريم، حسرة لم نشعر بها وآلة القتل في المعتقلات تفرم يومياً المئات من السورين الذين لا ذنب لهم سوى المطالبة بأدنى حقوق الإنسان.
كل تلك التصرفات كشفتها ضحكة بشار الأسد الصفراء، التي تؤكد أن ….يفرح بعزاء أهله.