أصفر نجار العائلة التي بنت حضارة في الجزيرة السورية ودمرها حزب البعث

الحسكة – مروان مجيد الشيخ عيسى 

نهضة زراعية غير مسبوقة شهدتها الجزيرة السورية في ثلاثينيات القرن الماضي، وبلغت ذروتها في الأربعينيات. فخلال عقد من الزمن باتت الحسكة ثاني محافظة سورية في إنتاج الحبوب، وأصبح شمال شرقي سوريا سلة غذاء سوريا، وقاعدتها لزراعة القطن الذي يشكل المادة الأولية للغزل والنسيج، أهم صناعات سوريا وأساس حضاراتها عبر العصور.

فقد كتب الأستاذ الباحث ياسين صويلح :

كنا في المرحلة الإعدادية نذهب في رحلاتنا المدرسية إلى مدينة رأس العين ، وكان  قصر أصفر ونجار  من أهم الأماكن التي لابد من زيارتها .

كل ماكنا نعرفه عن المكان في ذلك الوقت ، لايتعدى سوى الإسم الذي أخذ يتردد على أسماعنا باستمرار ، حتى أصبح مضربا للمثل ، عندما يصف أحدهم الآخر بالقول صار عندك شركة أو مشروع أصفر ونجار. 

وأصفر ونجار – اسمين لعائلة من أرومة واحدة آل أصفر و آل نجار ، تجمعهما والدة مشتركة ، هي المرحومة مريم رضوانلي.

وهذه العائلة معروفة ومشهورة لدى السريان وأبناء الجزيرة السورية عموما ، وهي من العوائل التي صنعت التاريخ فخلدها التاريخ ، ولها رصيد كبير من الفضائل والأخلاق والجاه والأملاك .

جاءت العائلة من ديار بكر التركية واستقرت في في منطقة الجزيرة السورية بداية الثلاثينيات من القرن الماضي . وعند قدومها رحبت بها عشائر المنطقة في أروع صورة للتلاحم المجتمعي . ونجحت تلك العائلة في نسج علاقات متينة مع المخلصين في دعم مسيرة الإقتصاد والزراعة . فأنشات في بداية الأربعينيات شركة أصفر ونجار  والتي أصبحت في بداية الخمسينيات الشركة المصدرة ل 100 ألف طن من القمح و300 ألف طن من الشعير ، إلى جانب إنتاجها كميات كبيرة من الأرز ، على مساحة زراعية قدرت بنحو 60 كيلو مترا مربعا ، موزعة بين القامشلي ورأس العين ، وكان سند التمليك الرسمي يزيد على 3 ملايين دونم ، كانت تتقاسمها العائلة مع عائلة إبراهيم باشا المللي .

وكانت الشركة تمتلك أسطولا من الشاحنات وعدد كبير من المعدات والآلات الزراعية ، ويعمل فيها أكثر من 15 ألف عامل ، استطاعوا بجهودهم إعمار القرى وبناء المصانع والمدارس وإقامة الجسور . وهم أول من أدخل الوسائل الحديثة في الزراعة إلى الجزيرة السورية ، حيث استوردوا لأول مرة جرار الكيز وتراكتور الكاتربيلر وحصادة الجوندر ، فتحولت الأرض البور من صحراء قاحلة إلى ساحات خضراء ، فانتعش اقتصاد المنطقة ، وأصبحت العائلة محط إعجاب واهتمام الجميع . 

ونشأت في الجزيرة مدن وبلدات جديدة، وازدهرت مدن منسية ومهمشة، وباتت الحسكة والقامشلي والمالكية على كل لسان في سوريا. وبدأ صناعيو وتجار المدن الكبيرة، وفي مقدمتها دمشق وحلب، يستثمرون في أراضي الجزيرة والفرات، إلى جانب أبناء المنطقة.

وذهبت “أصفر ونجار” أبعد من إدخال المكننة إلى قطاع الزراعة، فقد أقامت مركزا للأبحاث والتجارب الزراعية، أحضروا بذورا من تركيا ومصر والهند الصينية واليابان وأميركا وإيطاليا، وأجروا تجارب عليها لمعرفة أكثرها ملاءمة للزراعة في شمال شرقي سوريا، وأدخل لأول مرة تقنيات تعقيم البذور وحمايتها من الأمراض.

ومع دخول قانون الإصلاح الزراعي ، تم الاستيلاء على جميع ممتلكات العائلة وانتهت أعمالها وانتشر أفرادها في المهجر بعد وفاة مؤسسي الشركة الأوائل .

وبذلك أسدل الستار على قامتان شامختان ، لايستطيع أحد أن يفيهما حقهما من التبجيل والإعتراف ، بفضلهما على منطقة الجزيرة السورية . 

ولمثل هؤلاء ترفع القبعات وتنحني الهامات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.