مهنة الخياطة في الشمال السوري مصدر رزق للكثير من العوائل البسيطة

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

تعمل الكثير من نساء العوائل المهاجرة بماكينة خياطة متواضعة، وبجهد وإصرار، يحاولن تغيير الواقع المعيشي المرير، لتتحول من ربة أسرة نازحة تنتظر السلة الغذائية التي تقدمها لها إحدى المنظمات الإنسانية، كل شهر، إلى سيدة عمل نشيطة، في مناطق المخيمات شمال غربي سوريا، من خلال تصميم الملابس النسائية وحياكتها، لحقق لنفسها اسماً في تلك المنطقة؛ مع إتقانها عملها ومراعاتها ظروف النساء اللاتي ليس لهن مصدر دخل ثابت.

وتقول أم أحمد ، التي نزحت وأسرتها قبل نحو 5 أعوام من منطقة خان شيخون جنوب إدلب إلى مخيم دير حسان بالقرب من الحدود السورية التركية، إن مهنة الخياطة المتواضعة في تدوير الملابس القديمة للنازحين وترقيعها كانت مصدر رزق يضاف إلى ما يكسبه زوجها من عمله قبل أن يفارق الحياة نتيجة أزمة قلبية قبل عامين تقريباً، لتجد نفسها بعد ذلك مسؤولة عن تربية ورعاية أطفالها الـخمسة، وأكبرهم لا يتجاوز عمره 9 سنوات. وتضيف أن حاجة أطفالها للطعام والدواء والحليب دفعها إلى قضاء ساعات طويلة في الخياطة وتطوير عملها، من خلال اختراعها تصميمات وموديلات جديدة للألبسة تناسب أذواق جميع النساء وبمختلف أعمارهن، رغبة في تحسين وضعها المادي. وأشارت إلى أنها تفكر الآن بافتتاح مشغل خياطة للألبسة الجاهزة بعد نجاحها بتوفير مبلغ من المال قادر على تغطية التكاليف، وتشغيل عدد من النسوة اللاتي يمتهن الخياطة وليس لديهن المال الكافي لشراء ماكينات خياطة، إضافة إلى تدريب من ترغب بتعلم المهنة ضمن المشغل الذي تخطط لافتتاحه. ولا تقتصر مهنة الخياطة وحياكة الألبسة على النساء فحسب، بل للشباب أيضاً نصيبهم من هذه المهنة، فالشاب حسن التحق مؤخراً بعمل جديد في أحد مشاغل الألبسة الرجالية الجاهزة، إلى جانب أكثر من 20 شاباً آخر في مدينة الدانا شمال إدلب ولم يعد عاطلاً عن العمل. ويقول حسن، وهو نازح من مدينة حلب، إنه بعدما إكتسب خبرة لا بأس بها بالعمل بأجر زهيد في خياطة البنطال والقميص على مدار عام كامل، حصل أخيراً على عمل جديد مُدته 9 ساعات يومياً في مشغل لإنتاج الألبسة الرجالية الجاهزة.

ويضيف أن دخله يحدَّد وفقاً لعدد القطع التي ينتجها يومياً، ويتراوح أجر القطعة الواحدة ما بين 20 و25 ليرة تركية وهي العملة المتداول بها في شمال غربي سوريا، ويستطيع إنتاج ما بين 6 إلى 7 قطع يومياً، ليصل أجره اليومي إلى حوالي 125 ليرة تركية، ليساعد بذلك والده على تأمين مستلزمات أسرته اليومية من طعام وحاجات حياتية أخرى.

ومن جانبه قال أبو سمير، وهو صاحب مشغل لإنتاج الألبسة الشتوية الرجالية والنسائية، في مدينة سرمدا شمال إدلب، إن ما ساهم في استيعاب أعداد كبيرة من الخياطين، سواء من الذكور والإناث في شمال غربي سوريا هو حاجة السوق المحلية للألبسة الجاهزة وإعادة تنشيط عملية تصدير الألبسة الجاهزة مجدداً إلى بلدان أخرى، ومنها دول الخليج وتركيا والعراق، وساهم ذلك بتشجيع عشرات المستثمرين المحليين على افتتاح مشاغل لصناعة الأقمشة والنسيج والبرادي والأغطية والسجاد، ومشاغل لإنتاج الألبسة الجاهزة في مناطق إدلب وعفرين وأعزاز والباب بريف حلب. ولفت إلى أن البضاعة السورية، وتحديداً الألبسة، تلقى رواجاً كبيراً في أسواق دول الخليج العربي ولبنان والعراق منذ عشرات السنين نظراً إلى جودتها وانخفاض تكاليف إنتاجها الذي ينعكس على أسعارها في الأسواق، وكان مصدرها دائماً مدينة حلب، واليوم يحاول عدد من التجار والصناعيين والمستثمرين إعادة تنشيط عملية التصدير وتأمين فرص عمل جديدة أمام السوريين وتحسين اقتصاد المنطقة ككل.

فاللاجئين والمهاجرين السوريين نموذج فريد، ليس بسبب الاحترام الذي يولونه للمجتمع فقط ولكن للدور الذي باتوا يلعبونه أيضاً، لا سيما ما يتعلق بنشاطهم المتنوع بين التجارة باختلاف أنواعها أو الصناعة خصوصاً النسيجية، وما تبع ذلك من خلق وظائف تسهم في تخفيف نسبة البطالة، وغيرها من الإسهامات التي جعلت منهم مهاجرين إيجابيين فرضوا احترام الجميع.

وبلغة الأرقام، تذكر وزارة التجارة أن “الشركات السورية قفزت للمرتبة الثالثة مع نهاية 2021 بعد التركية والفرنسية في مجال الاستثمار الأجنبي بنسبة 11 في المئة، وأنه بالنسبة إلى فئة التجار الطبيعيين الموجودين في كثير من المناطق والبلدان، فقد احتل السوريون المرتبة الأولى بنسبة 30 في المئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.