الفقر والعوز والجوع والغربة تخنق السوريين والنظام يتشدق بالنصر الدونكيشوتي

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

بعد انتشار فيديو لصحفية في جريدة موالية للنظام تسأل رجلاً طاعناً في السن عن أكلته المفضلة ذاكرة عدة أسماء من الأكلات السورية الدسمة التي أصبحت حلما بالنسبة للكثيرين كاليبرق السوري، واللحم، والفروج وغير ذلك من طعام السوريين القديم. نظرة الرجل الدالة وتجاهله الإجابة لم تلتقطها الصحفية الغبية قبيل أن تسيل دمعته مع جملة الأوضاع صعبة الله يفرجها.

أراد الرجل أن يقول إنّ الشعب السوري جائع وإن الأكلات التي تتكلمين عنها أصبحت من الماضي، وإن الناس تتوقّع منكم كف ألسنتكم على الأقل والتوقف عن هذا الإذلال اليومي.

فشعار يا بثينة ويا شعبان شعب درعا مو جوعان أو الشعب السوري مو جوعان، والتأكيد على ما يجري هو ثورة كرامة كان شباب درعا أوّل من نطقها في مطالب سياسية واضحة تبدأ بإطلاق الحريات العامة وإلغاء حالة الطوارئ وهيمنة حزب البعث وتنتهي بإطلاق مسار إصلاحي حقيقي وشامل، نظراً لأنّ الهتافات لم تصل إلى حد إسقاط النظام ذلك الوقت.

فحقيقة الأمر أن النظام السوري ومن خلال بعض مظاهر قوته الناعمة التي استثمر بها لعقود، سعى إلى وصم الثورة السورية بأنها ثورة جياع أو فقراء” أو “ثورة ريفية” أو ثورة أطراف”. ظهر ذلك من خلال ظهور عدة مقالات ودراسات لأكاديميين سوريين وعرب مقربين منه استخدمت هذي المسميات وحاولت تعميمها على قوة النظام ووجود حواضن شعبية له خارج مناطق تأييده التقليدية في إشارة إلى المراكز المدينية الكبرى مثل دمشق وحلب.

لكن العارفين بسياسات النظام وطريقة تعامله مع المجتمع السوري كانوا يدركون أن الهدف الرئيس لمسعى النظام تأطير الحراك الاحتجاجي ضمن مسمى “ثورة الفقراء”، هدفه نزع الصبغة السياسية عنها التي تستهدف شرعيته داخلياً وخارجياً. بكلمات أكثر تفصيلاً، إن ثورة الأطراف، كما هو معروف أكاديمياً ولدى الدول أيضاً، لا تعبّر عن نفسها سلمياً أو ضمن مطالب سياسية، بل بشكل عنفي غير منضبط غايته الانتقام من المركز فقط. وعليه، تصبح مهمة السلطة أولاً وقبل كل شيء، ضبط الأمن ومنع الفوضى والتفرغ لاحقاً لحل المشكلات على المستوى المناطقي لا الوطني.

أما اليوم، وبعد 11 عاماً من درب الآلام السوري، لم يسقط النظام وما زالت رموزه باقية جاثمة على صدور ما تبقى من الشعب السوري في الداخل ولا أفق قريباً للخلاص مع تعقّد المشهد الدولي والإقليمي بعد التدخل الروسي وتعطل كل مساعي التسوية السياسية وغياب الصراع السوري ككل عن دائرة الاهتمام الدولي.

وفي ظل هذا الواقع، لا يترك النظام وإعلامه فرصة للتشدق بمقولات الانتصار رغم تشظي البلاد وهجرة سكانها وتبعيتها مباشرة أو عبر مناطق النفوذ لقوى دولية وإقليمية عديدة. لكن المقولات التعبوية تلك لا تجد صدى لها عن المواطن السوري في المناطق التي يسيطر عليها النظام بعد أن بلغ سوء ظروف الحياة وشروطها موضعا لا يمكن وصفه إلى درجة دفعت ما يسمّى الدولة أو الحكومة السورية إلى تعطيل أعمالها، المعطلة أصلاً، بشكل رسمي بسبب نفاد الوقود نهائياً بما في ذلك المرافق الحيوية مثل المخابر والمقاسم والمستشفيات.

رغم كل ما جرى ويجري لا يتوانى النظام عن الإمعان في إذلال السوريين والتنكيل ليس بهم مادياً من خلال إسقاط كل آثار فشله على حياتهم اليومية، بل معنوياً ونفسياً أيضاً من خلال استفزازهم بصور يومية من حياة رموزه ومسؤوليه. فعلى سبيل المثال، ظهرت المستشارة العجوز بثينة شعبان في لقاء حواري مع صحفي عماني شارحة نمط حياتها الجميل عبر الغذاء الصحي وممارسة رياضة اليوغا والتأمل والسفر.

وعلى المنوال ذاته، خرجت لونا الشبل، المستشارة الأكثر تصابياً، تدعو السوريين للصمود أمام الفاقة والفقر ناسية أن تزيل علامات البراندات العالمية الكبرى عن ملابسها قبل أن تدعو الأغنياء والمؤثرين للتمتع بالطعام والموسيقا الروسية الجميلة في حفل افتتاح مطعمها الخاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.