دمشق – مروان مجيد الشيخ عيسى
يصعب في المقاهي التي يرتادها أهل دير الزور في دمشق تمييز فوارق طبقية بين مرتادي المقاهي كما هو الحال في جميع المظاهر الديرية، وفي جميع المناسبات: في العرس وفي العزاء، وفي الزي وحالات الفقر والغنى، فغالبيتهم منصهرون ببيئة اجتماعية واحدة تمنع الصلات القرابية المتشابكة ظهور تباينات في مظاهرها، وقد تحيل في بعض الأحيان الرغبة في الانسلاخ المظهري إلى نوع من الشذوذ. وهي كذلك في المقاهي لا توجد مقهى ذات طابع طبقي ملحوظ، إنما تتداخل عوامل أخرى في انتقائية المقهى، كالطابع المناطقي والثقافي ونوعية المهن، وطبيعة الإشكاليات المتداولة في مقهى دون غيرها، ومع ذلك تطغى المزاجية الشخصية الديرية على جميع هذه العوامل.
أبرز ما يلفت المتجول عند اقترابه من ساحتي المرجة والحجاز، في مركز العاصمة السورية، الصبغة الديرية التي أصبحت طاغية على ملامح المنطقتين الدمشقيتين. في قهوة الدير وسط ساحة المرجة، يجلس الزائر مستريحاً من رحلته الطويلة، بعدما اختار منطقة الساحة مكاناً مؤقتاً لإقامته كباقي القادمين والنازحين من ديرالزور والموزعين على فنادق المرجة والحدائق المجاورة. كثافة أهالي ديرالزور في ساحة المرجة صبغتها بلون مختلف، فأصبحت قهوة الدير، أحد أهم معالم الساحة الدمشقية.
فهذه القهوة الصادحة بأغاني المنطقة الشرقية الشبيهة بمزاج الطرب العراقي، فالقهوة تعود إلى زمن غارق في القدم، وتعد المعلم الأبرز لأهالي الدير في دمشق، ففيها يستريحون بعد عناء السفر الطويل، ويلتقون بمن يودون رؤيته في العاصمة، كما أنها تعد المكان الأقرب لإقامتهم في الفنادق المتناثرة على أطراف الساحة.
وإن كان أحد لا يستطيع شرح سبب الإقبال الديري، تاريخياً، على المرجة والحجاز، وذلك بسبب انخفاض تكاليف الإقامة فيهما، فتبلغ كلفة السرير في الليلة الواحدة ما يقارب 3 آلاف ليرة سورية، في غرفة مشتركة. في حين يُفضل عديد من الأهالي قضاء وقتهم على مقاعد الحدائق العامة.
وبالإضافة إلى ذلك، فقرب المنطقة من أهم المراكز الحيوية في العاصمة، تجعل لها وقعاً خاصاً لدى أولئك المرتحلين من مسافات شاسعة، ويهولهم التنقل في العاصمة، والمرور على الحواجز فيها. فمبنى الهجرة والجوازات في البرامكة، يقع على مسافة ضربة حجر، وكذلك مشفى الأطفال ومشفى المواساة والأورام، وهي أبرز المواقع التي يقصدها أهالي الدير في دمشق.
والجلوس في قهوة الديرية في المرجة أو قهوة أهالي الدير في الحجاز، يشكل فرصة لسماع عشرات القصص المأساوية عن معاناة أهالي المناطق الشرقية في الوصول إلى دمشق، التي أصبحت قصية عصية عليهم لا يصلها إلا كل طويل عمر، بحسب لهجتهم الدمثة.
وهناك يستمتع الكثير من رواد قهوة الديرية بسماع الطرب الديري مع أنغام موسيقى الفرات كأغاني مطرب الدير ذياب مشهور والغناء العراقي كأغاني ياس خضر وحميد منصور.
ويعرف أهل المنطقة الشرقية عامة ودير الزور بشكل خاص أن من انقطعت سبيله في دمشق لابد أن يجد أحدا من معارفه في تلكم المقهى.
وبقيت مقاعد المقهى وجدرانها تحكي قصص وحكايات أهل دير الزور في قلب العاصمة دمشق.