الثأر إرث عشائري يعود للحياة

يقول كبار السن الذين شربوا عادات عشائرية قديمة أن الدم يستسقي الدم هذا هو منطق الثأر، العادة الجاهلية التي ما زالت تتحكم ببعض المجتمعات العربية خصوصا الريفية أو تلك التي نزحت صوب المدن وحملت معها إرثها المر فمشكلة الثأر في المجتمعات العربية أنها تتغلف بمفاهيم تعطيها رفعة وسموا حينما ترتبط بالكرامة والعزة أو تضفي عليها تفسيرات مغلوطة حينما تبحث عن مبررات عقائدية لها أو تعمق نزعتها التدميرية أو حينما تربطها بالولاءات المتصاغرة كالعائلة أو العشيرة أو المذهب أو المنطقة

والمشكلة تتضاعف عندما تقصر معالجات الظاهرة على الجانب الأمني فقط أو الجانب الوعظي الأخلاقي فحسب فالثأر بمنطلقه وبمنتهاه يعبر عن خلل بنيوي على الصعيدين الفردي والجمعي ومعالجته لا بد أن تكون من هذا المنطلق وتقتضي تقاليد العشيرة ضرورة أخذ الثأر وذلك كشرط لا رجعة فيه كي تستعيد العشيرة شموخها وهيبتها أمام محيطها العشائري ولهذا التقليد الراسخ كالوشم على جبين الغجر طقوس خاصة يقوم ضمنها شيخ العشيرة في جلسة استثنائية وعاجلة بصب فنجان من القهوة ويعلن أن من سيرتشف فنجان القهوة سيكون ملزماً بالأخذ بالثأر

ويعرب الجالسون وهم من أفراد العشيرة عن رغبتهم في شرب هذا الفنجان ومن يختاره الشيخ يعتبر منذ لحظة تناول فنجان القهوة أمل العشيرة في محو عارها وفارسها الذي سيحمل لها البشرى الموعودة

هكذا كانت تسير حياة العشيرة التي ما إن تأخذ بثأر اعتداء ألم بها حتى تستعد لثأر آخر ويجري هذا الكر والفر تحت صرامة عقل عشائري متغلغل يعادل بين الشرف في مفهومه الخاص والمطلق والأخذ بالثأر وهي معادلة لطالما أهدرت دماء بالباطل ولطالما قلبت حياة الأفراد رأساً على عقب وموتا على حياة و اليوم أصبحنا نتحدث عن العشائرية باعتبارها ذكرى بعيدة تسكن قاع التاريخ الإنساني وكأن العشائرية ظاهرة ذات سياق تاريخي لا حضور لها خارجه في حين أن قراءة مسترخية لبعض الوقائع تجعلنا نقر بأن العشائرية ما زالت قائمة الذات وتتحكم في نمط التفكير وفي مختلف أشكال السلوك سواء الخاص بالأفراد أو بالمجموعات أو بالشعوب

وقد رصد عديد من العلماء أصحاب الأقدام الراسخة في ميدان علم الاجتماع بمختلف فروعه كيف أن العشائرية كطاقة متواصلة الظهور في المناطق ذات التاريخ القبلي حيث ما زال يجري توظيف القبيلة في قطر وتنسج علاقة قائمة على الاعتراف الضمني والمتبادل بين القبيلة والدولة في قطر آخر حتى أن القبيلة تمثل وسيلة حماية للفرد من الدولة

ولكن ما لم نشر إليه مباشرة هو ان العشائرية قيمة رئيسية في كافة أرجاء العالم الإنساني أي أن النزعة القبلية بكل ما تحمله من تقاليد وأعراف تشمل حتى المناطق التي لم تعرف القبيلة والعشيرة في تاريخها هذا بالاضافة إلى أن العشائرية تسود قيم الحاضر وتتصدرها تماماً كما كانت ترأس عشائر الماضي وقد اختارت العشائرية لجسدها أثوابا جديدة بحيث أصبحت تتمظهر في أشكال وقوالب وكيفيات تعتمدها كأقنعة تنكرية لها

إن العالم الذي نتحرك فوق اديمه أشبه ما يكون بعشيرة كبيرة أو بفضاء عشائري تعبق فيه روح الثأر وفورة الدم التي لا أجل لاستكانتها وكأن كل العالم يشرب

فنجان الثأر الواحد تلو الآخر وأحيانا في جلسة جماعية يكون فيها فنجان الثأر سيد العقول ومحرك النفوس الدولية

ويعتبر إبليس أول شارب لفنجان الثأر عندما رفض أن يسجد لآدم وقرر الانتقام منه ونجح في إغوائه وفي أن يتسبب له في الطرد من الجنة والنزول إلى الدنيا حيث الخطيئة ومن يومها إلى اليوم وآدم ومعه حواء يبتلعان مرارة ذلك البن وذلك إلى حين فرج الله.

إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.