من خلال متابعة المواقف الدولية نجد أن الضغوط السياسية والعسكرية التي تتعرض لها روسيا في أوكرانيا وفي الوقت الذي يتوقع فيه المراقبون أياما مقبلة أكثر تصعيدا أثار اهتمامهم في الأيام الماضية التقارير التي تحدثت عن عمليات تقليص قوات بدأتها موسكو في مناطق انتشارها بسوريا
وكانت أولى هذه التقارير من جانب صحيفة موسكو تايمز التي حجبتها هيئة مراقبة الاتصالات الروسية في السابع عشر من شهر نيسان الماضي حيث قالت قبل أسابيع إن روسيا بدأت عملية سحب بعض قواتها من سوريا للمساعدة في تعزيز قواتها في أوكرانيا
وقد أضافت الصحيفة التي تتحذ من هولندا مقرا لها أنه تم نقل العديد من الوحدات العسكرية من قواعد في جميع أنحاء البلاد إلى ثلاثة مطارات متوسطية حيث سيتم نقلها إلى أوكرانيا مشيرة إلى أن القواعد التي تم التخلي عنها نقلت إلى الحرس الثوري الإيراني وكذلك إلى جماعة حزب الله اللبناني
وسرعان ما انعكست تلك المعلومات على تقارير لوسائل إعلام سورية محلية معارضة وأخرى تركية وغربية فيما انسحبت لتنعكس من تصريحات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مؤخرا ومسؤولين إسرائيليين سابقين بينهم جاكوب ناجل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو
وأظهر العاهل الأردني تخوفه من تغيير قواعد الاشتباك في سوريا وتحدث بشكل صريح عن مخاطر تراجع الدور الروسي لصالح الدور الإيراني فيما اعتبر جاكوب ناجل بمقالة نشرتها مجلة نيوز ويك الأحد أن انسحاب روسيا من سوريا سيكون فرصة لإسرائيل
وعلى الرغم من الكثير من سيناريوهات الربط التي استعرضها محللون عرب وغربيون في الأيام الماضية ما بين الملفين السوري والأوكراني إلا أن تصريحات الساسة من مختلف الأطراف لم تشر إلى هذا السيناريو بعد وبشكل رسمي حتى الآن ويوجد لروسيا في سوريا قاعدة حميميم التي تعتبر الأكبر من نوعها في المياه الدافئة وتقع في ريف مدينة اللاذقية الشمالي
وفي هذه القاعدة كانت موسكو قد استقدمت عشرات الطائرات والقاذفات بعيدة المدى بينما أجرت سلسلة مناورات عسكرية انطلاقا منها وبحضور وزير دفاعها سيرغي شويغو قبل أيام قليلة من بدء الغزو على أوكرانيا
ويضاف إلى ذلك تنتشر قوات من الشرطة العسكرية الروسية في عموم المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة وبينما تعمل على تسيير دوريات على طول الحدود الشمالية وفي محيط حدود مدينة إدلب برفقة القوات التركية
وتتجه في جزء آخر لتسيير دوريات منفردة في الجنوب السوري ومناطق خضعت مؤخرا لما يعرف باتفاقيات التسوية لعناصر كانت تقف بوجه النظام ومطلوب لفروعه الأمنية ولموسكو أيضا قاعدة كانت قد ثبتتها قبل عامين في مطار القامشلي بالحسكة السورية وزودتها بطائرات حربية ومروحية ومنظومات دفاع جوي من نوع بانتسير
ويوضح سام هيلر المحلل المستقل لشؤون سوريا والمستشار السابق بمجموعة الأزمات الدولية أنه من الصعب تحليل التحركات الروسية المتفرضة دون دليل واضح أو معلومات مؤكدة تشير فعلا إلى حدوثها ويقول هيلر في حديث له إن ما سمعه من بعض المسؤولين الغربيين هو أنهم لم يلاحظوا أو لم يرصدوا أي تحركات من هذا النوع حتى الآن ويضيف هيلر: المسؤولون أشاروا إلى عدم وجود مؤشرات حقيقية على صحة التقليص
وذلك ما يؤكده الباحث السوري في مركز عمران للدرسات الاستراتيجية نوار شعبان لافتا إلى أنه يجب التفريق بين مصطلح الانسحاب وإعادة تموضع القوات
ويقول شعبان لا يوجد انسحاب عندما تحرك روسيا قواتها من الجنوب إلى الشمال فذلك يعني أنه إعادة تموضع داخل المنطقة الجغرافية الواحدة وهي سوريا
ويضيف الباحث السوري: روسيا تلعب بسلاسة وتتمتع بما يحصل صحيح إن إعادة التموضع يرتبط بغياب رفاهية استقدام أعداد المقاتلين من الخارج إلا أن موسكو تحاول القول لإسرائيل إن وجودها مهم وفي تطور لافت تزامن مع تقارير التقليص صعدت إسرائيل من ضرباتها ضد مواقع عسكرية في سوريا حيث استهدفت قبل أسبوع مصياف بريف حماة الغربي لتتبع ذلك بضربات على محيط العاصمة دمشق ونادرا ما تعلق إسرائيل على هكذا نوع من الضربات فيما تؤكد على لسان مسؤوليها أنها ستواصل استهداف الميليشيات الإيرانية التي تحاول التمركز في مواقع بسوريا وعلى حدودها في جنوبي البلاد
واعتبر الباحث شعبان أن ما تقوم به روسيا في سوريا ليس عشوائيا متحدثا عن تكتيك أحدث فوضى كبيرة مما أدى إلى زيادة الضربات الإسرائيلية في إشارة منه إلى عمليات إعادة التموضع التي تقوم بها القوات الروسية داخل الأراضي السورية وعلى أي حال فلايمكن القول أن روسيا تجري هكذا تحركات لأن وضعها جيد لو كان كذلك لما قامت بتلك التحركات.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى