عندما نفتح ملف الشاعر مظفر النواب ونضعه أمام محكمة عادلة طبعا إن تجاوزنا تعديه على الصحابة والرموز الإسلامية وندرس قصائد مظفر النواب طيلة فترة حياته نجد أنه ظل مظفر النواب يهاجم الحكومات العراقية المتعاقبة على السلطة ويشتمها علناً قبل الاحتلال من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عام ٢٠٠٣
وكتب النواب المئات من القصائد ضد حكومات بلده والحكومات العربية بشكل مستمر وهجا أغلب الحكام العرب خصوصا الأنظمة الملكية والوراثية وحكام الخليج العربي بمافيه التي احتوته حتى رحل وتطاول بشكل قاس ومبتذل وإنشائي ومؤذي ومباشر وبلا هوادة وهذا ما اشتهر به من أسلوب صاخب وخطابي إنشائي ممجوج وأجج المجتمعات العربية ضد الحكام العرب والأنظمة الحاكمة بشكل صريح وواضح وقصائد حادة بطريقة هجاء وصراخ عال وشتم مقزز ومقرف وركيك فاحش وبدون حياء وظن الكثير أنه شاعر وطني عروبي ثائر متمرد وناقم على الحكام وزاهد بالسلطة ومتعاطف مع الفقراء والمحرومين والمغيبين وتوهم الكثيرون ممن أعجب به أنه يبكي على البلاد وحالها
وكنا أيام الشباب نستمع لقصائده عبر الكاسيت ونستمع ونردد قصائده التي كانت تدعو للثورةونستشهد بها ونرددها ظناً منا أنه صادق ومناظل وناقم ومطارد ومظلوم يدافع عن حقوق المهمشين
لكن بعد أن أحتل العراق عام ٢٠٠٣ من قبل القوات الأجنبية التي كان يشتمها ويهاجمها دائما ويحرض ضدها ويطالب بإشعال مياه الخليج والتمرد على السلطات وطرد المحتلين والغزاة من الأراضي العربية المغتصبة كما يدعي ويقول ونحن نصفق له متوهمين و مغفلين بما كان يهرف بما لا يعرف وسوق لنفسه على حساب الشعوب التي صدقته وأوهمها طيلة تلكم السنين حتى سقط القناع وأبدى لنا وجهاً جديداً غير وجهه وقناعات جديدة غير بما كان يقول وينشد ونحن
وقد التقاه أحد محبيه في دمشق الشام في أحد مطاعم الصالحية بعد احتلال العراق وقال له يا مظفر أين أنت ودورك وموقفك من احتلال بلدك الآن هذا وقتك لكنه لم يرد وهو يتظاهر بأنه تعبان ومريض وعاجز
وبعد فترة أقام أمسية أقامتها العاصمة الإماراتية أبو ظبي في المجمع الثقافي التي كان يهاجمها قديماً وحتى تطاول على حكامها في السبعينات من القرن الماضي لكنهم دعوه وكرموه ومات في بلادهم بعد أن وفروا له الرعاية الصحية وأقام فيها بأمن وأمان واستقرارحتى توفي بتاريخ ٢٠أيار ٢٠٢٢ وهوصامتا وبلع لسانه تماما عن قصة احتلال بغداد
وفي نفس الأمسية حاول أن يلقي قصيدته الشهيرة القدس عروس عروبتكم ولكنه قوطع من بعض الحاضرين وقيل له يا مظفر عليك أن تقول الآن بغداد عروس عروبتك اذا كنت صادقا لأن وطنك الآن محتل من قبل الغزاة الذين كنت تهاجمهم وتشتمهم
بل هو ذهب أكثر من ذلك فحين سقط النظام العراقي الوطني السابق ذهب النواب وانتخب أول حكومة عراقية تحت ظل وحراب المحتل في بغداد وغمس سبابته بحبر الانتخابات الأسود الذي كان يومي بها ويسب ويزمجر ويتوعد مكة المكرمة بالهلاك والدمار وقد صدرت ضده بيانات ومقالات تتهمه بالخيانة والتخاذل حتى أن مقدم أمسيته في المجمع الثقافي قال خونوك لأنك لم تمدح السلاطين
ولا زال البعض يدافع عنه وعن موقفه بشراسة وقوة ومظفر النواب لم يدن أو يهاجم الاحتلال والغزاة الذين مزقوا واحتلوا بلاده إرباً إرباً بل كتب قصيدة لشخصية إسلامية فيها نفس طائفي واضح لا يليق بتاريخه فقد مجد عملاء إيران الذين دخلوا على ظهر دبابات المحتل فظهر ضد ما كان يؤمن ويدعي ويقتنع به من فكر متحرر علماني وثوري وأيدلوجيا كما كان يقول ويدعي ويردد ويكتب وينشد حتى إن بعض الحاضرين بالأمسية قال بأن مظفر النواب يبدو وكأنه يشتم الأنظمة العربية لأنهم يختلفون معه طائفياً وليس أيدلوجياً أو سياسياً وفكريا
لكن المهم إن مظفر النواب ختم آخر حياته بالصمت المطبق حيال إحتلال بلده المحتل وهذا كله يجعلنا نحكم عليه بمقولة الساكت عن الحق شيطان أخرس أو السكوت والصمت علامة الرضى.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى