من خلال النظرة الموضوعية لحقائق ما جرى ويجري في سوريا نجد أن الروس يرون أنفسهم أصحاب أحقية كبرى في الوصاية على نظام الأسد بحكم نفوذ آلتهم العسكرية التي حافظت على نظامه من السقوط منذ أيلول ٢٠١٥ إلا أنه لا يمكنهم التنكر للدور الإسرائيلي الذي يسعى هو الآخر للحفاظ على نظام الأسد بل كان له السبق في ذلك منذ العام ٢٠١٢ من خلال الضغوط التي مارسها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو على إدارة باراك أوباما للتخلي عن فكرة اسقاط النظام.
وجهة النظر الإسرائيلية بالتمسك بالأسد تنطلق من نظريتهم التي تقول شيطان نعرفه أفضل من شيطان لا نعرفه وعلى أساس هذا التكامل في المصالح مضت موسكو وتل أبيب في إدارة مصالحهما داخل سوريا
لقد التزم الروس كامل الالتزام بعدم التعرض للطيران الإسرائيلي الذي يستهدف مواقع ميليشيات إيران داخل الجغرافيا السورية بل ذهبت بالتعاون إلى حد منع تشغيل واستخدام منظومات الدفاع الجوي التي أحكمت سيطرتها عليها بشكل كامل وبالمقابل التزمت إسرائيل بالتنسيق وإخطار الروس بأي طلعة جوية لطيرانها في الأجواء السورية والحفاظ على التنسيق العسكري والاستخباراتي من خلال الخط الساخن بين تل أبيب وقاعدة حميميم.
لكن ثبات المصالح أمر متعذر الحصول في العلاقات بين الدول بل يمكن القول إن أي تغيير في مسار المصالح لابد أن يؤدي إلى الإطاحة بما سبقه من تفاهمات ولعل الغزو الروسي لأوكرانيا قد أفرز شكلاً جديداً من المصالح وبالتالي أوجب شكلاً جديداً أيضاً من التفاهمات لإدارة هذا الصراع إلا أن إيجاد هذه التفاهمات الموجبة ربما يكون متعذراً لازدياد الهوة في المصالح المتناقضة
فالروس اليوم في حال تحد صارخ للموقف الغربي الرافض لغزو أوكرانيا وتحول هذه الحرب بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حرب حدود إلى حرب وجود وكذلك لم تعد غاية الغرب هي ردع بوتين فحسب بل باتت الغاية هي تقويض روسيا كدولة عظمى سياسياً واقتصادياً الأمر الذي أحرج إسرائيل التي لم يعد بإمكانها إمساك العصا من المنتصف بل أظهر أنها مهما بلغت من البراغماتية فإن انحيازها إلى حليفها التقليدي الأميركي أمر لا بد منه ومن هنا يمكن الركون إلى إرهاصات واضحة تنذر ببروز تصادم جديد روسي إسرائيلي وعلى الرغم من الحرب في أوكرانيا على رأس أسباب هذا التصادم إلا أن مسرح عمليات هذا الصراع ربما يكون الأرض السورية.
فالتدافعات بين تل أبيب وموسكو تجاوزت مستوى الوقائع الميدانية لتصل إلى مستوى آخر ربما يكون أكثر حساسية مما هو ملموس على أرض الواقع من خلال التقاذف الأيديولوجي والديني الذي تجلى بتصريحات وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بتنسيب هتلر إلى اليهودية فضلاً عن انتماء زيلنسكي الأمر الذي جعل الأجواء بين الطرفين مكتملة الاحتقان بل ناضجة لاستنبات خلافات قادمة.
لعله من الطبيعي أن يكون التنسيق السابق بين البلدين حول استهداف ملحقات إيران في سوريا هو العرض الأولى لحلقات هذا الصراع ولعل هذا ما تترجمه تصريحات لافروف المتكررة التي تصب في مجرى إدانة إسرائيل لقصفها مواقع في سوريا ليتطور هذا الموقف الإعلامي الروسي إلى موقف عملي تجسد بسحب روسيا لبعض قواتها وقواعدها البرية ومجموعات من الضباط من المطارات السورية وبعض المواقع الأخرى وتسليمها لأطراف تابعة لإيران ولعل هذه العملية هي الرسالة الأولى التي تحمل استفزازا روسياً لإسرائيل إذ تدرك موسكو مدى حساسية الموقف الإسرائيلي من ميليشيات إيران داخل سوريا في السياق ذاته يمكن النظر إلى الزيارة التي قام بها رئيس النظام بشار الأسد إلى طهران ولقاؤه بالمرشد والرئيس الإيرانيين إذ لا يمكن أن يغيب الظل الروسي عن أجواء هذه الزيارة إن لم يكن القسم الأهم منها من أجله خاصة وقد سبقتها زيارة وفد من حركة حماس إلى موسكو ذلك أن انشغال الروس بحربهم على أوكرانيا من جهة وتوتر علاقاتهم مع إسرائيل من جهة أخرى لا بد أن يترك فراغاً في سوريا على إيران أن تبدأ بملئه بل ربما ترى أنها باتت صاحبة الأحقية قبل الروس بتوجيه بوصلة الصراع في سوريا وهنا لا يمكن تجاهل الطلب الإيراني من الأسد بعودة علاقاته مع حركة حماس في استفزاز روسي إيراني مشترك لإسرائيل لم يتأخر الرد عليه بقصف جديد استهداف مواقع جيش نظام الأسد في مدينة مصياف القريبة من قاعدة حميميم وقتل العديد من ضباطه وجنوده وقد يفضي هذا الأمر إلى استراتيجيات جديدة على الأراضي السورية.