إن هذا المواطن السوري العلوي عمل كل شيء كي يصل إلى ما يطمح إليه عن أي الطرق وبجميع الوسائل وبكل الأساليب والتقلبات وركوب الموجات واللعب على ما يتاح له من الحبال وعندما وجد أن طريق الجيش والانتساب إليه هو أقرب السبل إلى بلوغ ما يطمح إليه التحق حافظ أسد بالكلية العسكرية في حمص عام ١٩٥١ وقبل ذلك التحق بحزب البعث وهو طالب في المرحلة الثانوية بعد مغادرته قريته القرداحة ونزوحه إلى اللاذقية أبدى نشاطا ملحوظا في الوسط الطلابي ليقود مجمعة البعثيين من رفقاء دراسته ويكون مسئولا عنهم ثم انتقل بعد حصوله على الشهادة الثانوية إلى الكلية العسكرية في حمص ومنها إلى مدرسة الطيران في حلب مع عدد من طلاب الكلية بعد نجاحه بالفحص الطبي والتي سرعان ما تحولت مدرسة الطيران في نفس العام إلى كلية للطيران.
و بعد أن تخرج في كلية الطيران وحمل نجمة الملازم على كتفه ذهب ضمن بعثة إلى انكلترا للتدريب على الطيران وفي لندن أقام علاقة مع الإنكليز تحدث عنها عدد من أعضاء حزبه وممن رافقه إذ لفت انتباههم اختفاؤه لثلاثة أيام بدعوى إجراء فحوص طبية قبل عودتهم إلى دمشق وكثرا ما كنا نسمع من الرئيس السوري السابق أمين الحافظ عن هذه العلاقة التي شهد بعض فصولها في إحدى الرحلات التي كان أمين الحافظ أحد أعضائها وبعضهم تكلم على لسان أحد زملائه عن صلات للأسد مع وزير الدفاع البريطاني أو مع وزير الدولة للشئون الخارجية طومسون كما يزعم أمين الحافظ ثم وقع الاختيار على حافظ أسد عام ١٩٥٥للذهاب إلى مصر من أجل مزيد من التدريب على الطيران الحربي وتزوج الأسد عام ١٩٥٨ من آل مخلوف ذوي المال والجاه وكانت أنيسة مخلوف التي اقترن بها أحد خريجات دير الراهبات القلب الأقدس الفرنسي ثم لم يلبث أن تركها في سورية عندما أوفده سلاح الطيران إلى الإتحاد السوفياتي على طائرات الميغ ١٥ و ١٧ التي كان السوفيات قد زودوا بها سورية ثم نقل ضمن السرب الذي كان واحدا من ضباطه إلى القاهرة في ظل الوحدة التي قامت بين سورية و مصر للتدريب على الطيران الليلي عام ١٩٥٩.
عندا بلغ الثلاثين من عمره بدأ خطواته العملية في تعبئة الطائفية العلوية للقيام بالدور الذي كان يخطط له أو يتطلع إليه فسلط الأضواء من خلال نشاطه الحزبي والعسكري على زكي الأرسوزي لإبرازه قائدا كبيرا وفيلسوفا عبقريا يحجب به عفلق والحوراني والبيطار ويدفع به إلى منزلة القيدة الفكرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بدعم من اللجنة العسكرية السرية التي ضمت عددا من أبناء الأقليات العلوية والإسماعيلية والدرزية.
بعد انفصام عري الوحدة دخل حافظ الأسد السجن لأربعة وأربعين يوما في القاهرة ثم عاد إلى دمشق ، ليقوم بحركة نشطة ما بين القرداحة ودمشق ، وما بين مقر قيادة القوة الجوية والتنظيمات الحزبية وصرفته حكومة الانفصال ضمن ستين ضابطا من الجيش إلى وظائف أخر ، ثم شارك بانقلاب جاسم علوان الناصري لكن الأسد سرعان ما خلع ثيابه العسكرين وتخلى عن سلاحه ثم هرب إلى لبنان الذي أعاده إلى سورية فمكث في السجن بضعة أيام ليخرج سليما مافي من هذه المغامرة
في اليوم الأول من انقلاب ٨ آذار عام ١٩٦٣ كان الأسد واحدا من قائمة تضم ثلاثين ضابطا أعيدوا إلى الجيش ومعه جميع أعضاء اللجنة العسكرية السرية فنال رتبة المقدم إذ رفع من نقيب متجاوزا رتبة الرائد وعين آمرا لقاعدة الضمير الجوية أهم وأخطر قواعد سلاح الطيران في سورية وسرعان ما انتخب عضوا في القيادة القطرية للحزب الحاكم لتضاف إليه رتبة عقيد في أيلول ١٩٦٣ هكذا قفز خلال ستة أشهر فقط من آذار إلى أيلول ن نقيب إلى مقدم إلى عقيد ليحقق قفزات أخرى تسع به إلى قيادة سورية وكأنه يطير إليها بإحدى طائرات الميغ التي كان يتدرب عليها.
لم يأت شهر كانون الأول ١٩٦٤ أي بعد ٢٢ شهرا من انقلاب ٨ آذار حتى رفع حافظ أسد إلى ربتة لواء وعين آمرا للسلاح الجوي السوري فاختصر ربع قرن من الزمن كان عليه أن يقضيها لينتقل من نقيب إلى لواء دون أن يقوم بأي عمل استثنائي عسكري أو سياسي يقدمه لوطنه
وعندما بدأ الصراع بين الرؤوس وقف الأسد على مسافة واحدة من الجميع وحينما احتدم الصراع بين عمران وجديد انحاز إلى جديد وتخلص من منافس كبير هو اللواء محمد عمران وبإبعاده عن الجيش ثم القيام بتصفيته وقتله في وقت لاحق وعندما احتدم الصراع بين صلاح جديد وأمين الحافظ ترك الأسد لهما الساحة يتنازعان فهيا ويتشابكان كالذي يحصل بين الديكة في صراعها وذهب إلى لندن وهو قائد الطيران السوري في رحلة استجمام أو علاج أو ترتيب المستقبل السياسي لسورية في عاصمة الضباب وكان بصحبته ناجي جميل أحد كبار الطيارين السوريين وحسين ملحم آمر الشرطة العسكرية والطبيب يوسف الصايغ الذي اغتيل يما بعد ومتهما بأنه كان ضابط الاتصال بن الأسد والأمريكان واتصل الأسد خلال هذه الرحلة بوزير الدولة للشئون الخارجية في بريطانيا طومسون دون أن يعرف أي تفسير لاتصال رئيس الطيران السوري بوزير الخارجية فلقد شاعت أنباء هذا الاتصال وبدأ الهمس بين حزبين كبار متسائلين عن دوافع هذه الاتصالات وهذا ما حمل باتريك سيل على وصف هذه الزيارة بالغامضة والمليئة بالأسرار التي لم يحن أوان الكشف عنها لأن الحكومة البريطانية لا تفرج عن الوثائق السرية إلا بعد مضي ثلاثين سنة باستثناء بعضها ذات الخطورة وأرجح أن هذه من ضمنها بدليل استمرار التكتم عليها رغم مضي هذه السنين وما زالت في خزائن الأسرار.
ثم عاد الأسد من هذه الرحلة الغامضة إلى دمشق لتكون وزارة الدفاع بانتظار و استلم وزارة الدفاع ليقفز منها إلى سدة الرئاسة بعد فترة لم تكن بعيدة وليحكم سوريةحكمًا استبداديًا قمعيًا شغل شعبها عن الصراع مع إسرائيل وعن النهوض بالوطن وعن الاستمرار بالتنمية التي بدأها بعد الاستقلال بدعم بريطاني أمريكي إسرائيلي جلب للعدو الراحة والأمن والاستقرار والازدهار والطمأنينة ومكنه من بناء قوات يواجه بها العالم العربي فكانت إسرائيل سعيدة ومطمئنة لجارتها سورية بعد أن وقعت فريسة بيد هذا الطاغية حافظ أسد وسوف يأتي ذلك في حينه.
أما الجرائم التي ارتكبها هذا النظام ما بين ١٩٦٦و ١٩٧٠ من انقلابات وصراعات وسفك للدماء فحدث عنها ولا حرج فالأسد يتهم حاطوم تارة و عمران تارة و صلاح جديد تارة وأخطرها حدث وهو بعيد في لندن وعندما عاد تظاهر بعدم مشاركته وأنه لم يوافق على الأساليب التي استخدمت في حسم الصراع بل ذهب إلى السجون و الإقامة الجبرية ليكسب ود الذين أبعدوا عن السلطة وزوج بهم في المعتقلات إن أخطر أشكال الباطنية هي التي تمتزج فيها الباطنية الدينية بالباطنية السياسية فتأتي بأخطر النتائج والكوارث وتنتهي بالبلاد والعباد إلى الخراب والدمار والمصائب الكبرى في حياة الشعوب فالأسد نموذج لهذه الباطنية المزدوجة التي كانت سوريا ضحيتها ونكبت بها والتي تعتبر لطخة عار في تاريخ سورية الحديث أو بالأصح بتاريخ هذه السلطة التي سرقت الحكم من يد صاحبه الحقيقي وهو شعب سورية فلماذا سلمت الجولان أمنع جبهات القتال العربية من دون قتال ولماذا أمر وزير الدفاع الطائفي الجيش بالانسحاب الكيفي ولماذا لم توزع الذخيرة على الوحدات إلا قبيل نشوب الحرب بقليل.
ولماذا سحبت وزارة الدفاع طعام الطوارئ الجاف من العساكر قبل بدء المعركة بدعوى استبدال التموين دون أن يستبدل ولماذا سلمت أسلحة بكاملها للعدو دون أن تستخدم كالذي جرى لسلاح الآليات البرمائية وقاذفات اللهب ولماذا قطعت الكهرباء عن خطوط الدفاع وعن الألغام ليفاجأ بذلك المدافعون ولماذا وقف الجيش السوري أربعة أيام متفرجًا على المصريين والعدو يدمر طائراتهم ومطاراتهم ودباباتهم ومدافعهم ومشاتهم دون مشاركتهم في القتال وفتح الجبهة السورية الشمالية على العدو ليخففوا من حمم الحرب وهي تنصب على رؤؤسهم ولماذا وألف لماذا السكوت عن هذه الكارثة أو النكبة التي حلت بالوطن المغدور.
إذا عدنا بالذاكرة قليلا إلى الوراء لعلمنا أن حافظ أسد بطموحه غير المحدود لتحقيق أهدافه المعلنة والمستبطنة وهذه الأخيرة مهمة جدًا ما كان له أن يبلغ ما يريد دون مخادعة الداخل والاعتماد على قوى نافذة في الخارج ففي الداخل خدع البعثيين والقوميين والناصريين واليساريين وغيرهم وركب جميع الموجات حتى لم يبق من ينافسه على طموحه وتحقيق أغراضه وفي الخارج اعتمد على صلاته بالإنكليز والأمريكان و إسرائيل وكانت هذه الصلات سرية لا يعرفها أي من رفاقه أو من المراقين والباحثين بل كانت تستخلص من سياسة حافظ أسد وسلوكياته ومراوغته وتكتمه ويستنتجها المحللون من تصرفاته وأساليبه فيتساءلون : لماذا قتل من الفلسطينيين أكثر من عشرة أضعاف ما قتله الصهاينة بدعوى أنه يريد أن يعقلهم.
ولماذا راهن عليهم في أول صعوده ثم أصر على إيقافهم وإلغاء دورهم بدعوى أن المعركة مع العدو تتطلب جيوشًا نظامية وليس ميليشيات ومنظمات تحرجنا وتجرنا إلى حرب لسنا لها مستعدين.
ولماذا امتد شهر العسل بين هذه السلطة الباغية المتآمرة وبين العدو الصهيوني المتربص بسوريا المعروفة عند العرب جميعًا وعند الغرب كذلك أنها رأس الحربة في مواجهة العدو لأكثر من أربعة عقود بدعوى استكمال التوازن الاستراتيجي باستثناء الصدام مع العدو عام ١٩٧٣ الذي خسرت فيه سوريا ٢٩ قرية ووصل فيه العدو إلى سفوح وقمم جبل الشيخ فصارت دمشق بمتناول العين أو أعين الأعداء المجردة ومرمى مدفعيتهم الموجهة بفوهاتها إلى عاصمة الأمويين التي يحمل لها الطائفيون حقدًا قديمًا يرجع بأزمنة سحيقة إلى عصور الإسلام الزاهية.
لماذا سرح بطل الجولان آلاف الضباط من ذوي الخبرة في القتال وفنون الحرب كل هذا وأمثال كان لدى الدارسين والباحثين مبعث قلق وتساؤل دون أن يكون لديهم أدلة ساطعة ووثائق قاطعة على ما يبيته هذا الدخيل للوطن وأهله حتى بلغ الأسد في سياساته مع السوريين أن حطم معنوياتهم وأذاقهم طعم الجوع والقمع والاستبداد ومزق وحدة الشعب الوطنية التي مكنتهم من قبل في التغلب على انتداب دولة كبيرة مثل فرنسا وهم شعب صغير العدد انتزع حريته واستقلاله غير المشروط بتلك الوحدة الوطنية العتيدة والتي عمل الأسد على تحطيمها وتمزيقها شر ممزق بالنعرات الطائفية والعنصرية والجهوية وأمثالها ولم يعد الأسد يخشى من كشف المستور وفضح الصفقات التي رهن بها الوطن والتي كانت وراء سياساته التي بث فيها الرعب في قلوب المواطنين لدى الدول الاستعمارية والأطماع الإمبريالية وأقدم على بيع أفضل بقعة إستراتيجية وأغناها في سوريا.
فما السر في هذا التفريط بالوطن العزيز على أهله
إن حكم الأقلية اعتمد على الدعم الخارجي كما رأينا فتغاضى الغرب عن كل جرائمه ضد الإنسانية التي اقترفتها يده الآثمة ضد المواطنين وقام بتغطية النظام سياسيًا وإعلاميًا فسكتت أمريكا وأوروبا ومن يدور في فلكهما من العرب على حالة الطوارئ التي امتدت أكثر من أربعة عقود بالرغم من أن الغرب لا يسكت على أي حكم عرفي يعلن في بلد أوروبي أو آسيوي إلا أيامًا وسكتوا على جميع الجرائم التي ارتكبها وأباد فيها عشرات الألوف وهدم بها قرى وأحياء وأجزاء من مدن كبيرة في سوريا و لبنان مثل حماة وطرابلس إن هذا الحكم القمعي بحاجة إلى استمرار الدعم من دول الغرب ومن العدو الصهيوني وبالوقت نفسه فإسرائيل قلقة من جبهة الجولان التي حصنتها الحكومات الوطنية السورية السابقة على انقلاب ٨ آذار إسرائيل تخشى من مجيء حكومة وطنية جادة في التصدي للعدو فتكون الجولان المشرفة على شمالي فلسطين خطرًا مرعبًا للعدو كما حدث في أيام الانفصال يوم رصد الجيش السوري تحركات العدو في شمالي فلسطين وفي الأرض منزوعة السلاح بين الجانبي فكمن للعدو بخطة محكمة قضت فيها على مئات الجنود الصهاينة وكبدتهم أكبر الخسائر في معركة تل النيرب التي كانت وسامًا للجيش وخزيًا للعدو أو ردًا على تحرشاته المستمرة بعد أن كان الجيش السوري في ظل الوحدة ممنوعًا من أي رد على عدوان العدو الأمر الذي أقلق الأمريكان والإسرائيليين فعجلوا بالقضاء على فترة الانفصال في تفصيلات وردت في المجلد الثاني من هذه الصفحات وكي تضمن إسرائيل بقاء شهر العسل الطويل مع الأقلية المتسلطة على حكم سورية واستمرار هذا التعايش الدائم بين الجانبين في شمالي فلسطين وتطمئن على مصيرها مما تشكله هضبة الجولان من خطر عليها وخشية أن تقع الهضبة في أيدي حكومة وطنية طالبوا سرًا بهضبة الجولان والاعتراف بإسرائيل نظير الدعم المستمر لنظام حكم الأقلية في دمشق كثيرون لا يصدقون حدوث هذا التفريق بالوطن وأهله ومنهم شخصيات وهيئات إسلامية كانت مخدوعة بالحرب الإعلامية التي كانت السلطة السورية تشنها على العدو دون النظر بعمق إلى سياسات النظام حيال العدو الصهيوني حتى وقعت أحداث سياسية كبيرة كشفت ما كان مستورًا من دعم إسرائيل لنظام الأقلية في سورية.
كانت الغرب يتغاضى عن جرائم النظام السوري ويسكت عن حالة الطوارئ الدائمة في سوريا وتطلق يده في لبنان لمطاردة المقاومة الفلسطينية والجبهة الوطنية وفي كل فترة يستنكر تصرفات النظام من قبيل ذر الرماد في العيون وكانت سلطة دمشق تدرك هذا وترد بتصريحات عنترية ضد إسرائيل إدراكًا منها لموقفها الحقيقي المتفق سرًا عليه.
قادت فرنسا حملة ضد النظام السوري بعد اغتيال الحريري ومن سبقه ومن لحق به في لبنان وطالبت بإسقاط النظام أو محاكمته واستصدرت قرارًا من مجلس الأمن بسحب الجيش السوري من لبنان واضطرت الدول لموافقة فرنسا وأوروبا على ذلك أملاً في دعم أوروبا وصرحت بوجوب تنفيذ قرار مجلس الأمن بسحب جيشها من لبنان فظنت سوريا أن التصريح الأمريكي لا يعدو كونه مناورة كما كان شأن التصريحات الأمريكية التي سبقته فصرح عماد فوزي الشعبي أن سوريا لا يستغنى عنها في لبنان وإن أي قوة أخرى لا تستطيع ضبط الأمن اللبناني ولاسيما في الجنوب وصرح فاروق الشرع : أن سوريا ستنسحب من لبنان بعد عامين فأصرت أمريكا تضامنًا مع فرنسا على وجوب الانسحاب فلما أدركت سوريا أن الغرب جاد هذه المرة وليس تصريحها للاستهلاك شأن ما سبقه من تصريحات حزمت أمرها وأصدرت أوامر للجيش بالانسحاب قبل التاريخ المحدد وصار يسمع تصريحات الأوروبيين والأمريكان عن محاكمة المسؤولين في النظام السوري وعن تغيير في دمشق وهنا اضطرت إسرائيل لتكشف عن حقيقة موقفها من نظام حافظ أسد ومساندتها له وحمايته من أي خطر يتهدده ومارست حكومة العدو وعبر اللوبي الصهيوني في أمريكا ضغطًا شديدًا وحازمًا ومعلنًا محذرة من أي تفكير في تغيير النظام الذي هو كما قال العدو أفضل نظام لإسرائيل وقال عبر سياسييها ووسائل إعلامها : إن البديل سيكون الفوضى أو وصول متشددين تعني الإسلاميين إلى السلطة فاضطرت أمريكا للتراجع عن سياستها الجديدة واستبدلت بتصريحاتها موقفًا جديدًا قالت فيه : إن أمريكا لا ترمى إلى تغيير النظام السوري بل تهدف إلى تغيير سلوكه وهكذا لم يبقى أمام الحائرين في السياسة السورية والمتشككين ما يقولونه في تفسير أو تبرير ما يدافعون به عن دولة الممانعة والصمود بعد انكشاف الحقيقة لكل ذي عينين بل لكل ذي أذنين إذا أراد ألا يبقى عقله معطلاً ومشلولاً.
دأب الإعلام الإسرائيلي منذ حوالي ثلاث سنوات يحذر الأمريكان بأي مس في النظام السوري يرمي إلى تغييره ودأبت الصحافة الإسرائيلية تدافع عن النظام السوري ومبررات استمراره ثم جاء دور القادة السياسيين الإسرائيليين في الدفاع المعلن عن النظام وتذكير آل الأسد بما قدموه لهم من حماية من أي عدوان عليهم فرئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت قال لماهر الأسد عبر مبعوثه ألون لنيل : بأن إسرائيل أوقفت عدة عمليات كان الأمريكان سينفذونها من العراق ضد مواقع سياسية في سورية مثل قصر المهاجرين في دمشق وقصر الرئاسة في اللاذقية ورئاسة الأركان السورية ومقر الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد هذا ما نشر في شهر أيار عام ٢٠٠٨.
وقبل ذلك بشهر أي في نيسان صرح أولمرت رئيس وزراء إسرائيل : أن إسرائيل لا تزال ترفض إسقاط النظام السوري وأنها لا تزال تتمسك بالفيتو الذي وضعته على الإدارة الأمريكية في شأن أي عمل عسكري من شأنه إسقاط النظام الحالي في سورية .
إن هذه الأحداث والمواقف الإسرائيلية تجاه نظام الأقلية في دمشق وفي دعم إسرائيل لسورية واتفاقهم معها منذ فترة طويلة لم يعد سرًا كما كان منذ حوالي أربعين سنة يفسر كثيرًا من السياسات التي ظل المراقبون في حيرة من أمرها ومنها حرب حزيران عام ١٩٦٧ وحرب ١٩٧٣ ومنع أي عمل للمقاومة السورية والفلسطينية ضد إسرائيل وسحق المنظمات الفلسطينية في لبنان وغير ذلك كي يدرك كل سوري أن بلده يباع في سوق النخاسة لصالح تمكين الأقليات الطائفية أو من يقودها ويتحدث باسمها ويورطها في صراعات مدمرة مع الأكثرية ومع أتباع المذاهب الأخرى إذ وقع خارج هذه الفترة السادسة التي حكم فيها حافظ أسد من عام ١٩٧١ وحتى ٢٠٠٠ عام وفاته وكانت أحداثه في المرحلة السابقة التي سلمت فيه سوريا لوريثه بشار أسد كرئيس للجمهورية السورية في شهر حزيران عام ٢٠٠٠ لتتوارثها عائلة حافظ أسد في نظام جديد وفي عالم السياسة هو الجمهورية الوراثية في بلدنا الجريح.