الفن التشكيلي في الجزيرة السورية.. مسيرة نصف قرن

لقد رسخت حركة الفن التشكيلي في الجزيرة السورية  جذورها الفنية والجمالية في أرض الإبداع وعاشت مراحل تطورها المختلفة ليكون ثمرتها أسماء فنية مبدعة نقلت هوية الجزيرة الفنية من المحلية إلى زحام  العالمية
فتدرجت حركة الفن التشكيلي من التجربة العفوية الفردية في بداياتها إلى الدراسة المنهجية الأكاديمية والعلمية لتتألق خلال الفترة ما بين سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي حيث رفدت حركة الإبداع الفني بعشرات الأسماء المميزة التي خلدت بصمتها الواضحة ورسومات فنانيها في ذاكرة جمهور الفن إلا أن وهج الحركة بدأ يخبو خلال سنوات حرب النظام على كل ماهو جميل في البلد ليعاود خلال السنوات الأخيرة التألق بعد فترة الهدوء النسبي آذنا بنهوض وعودة الحراك إلى سابق عهده
فحركة الفن التشكيلي مرت بثلاثة أطوار الأول هو طور البدايات والتأسيس من أواخر الخمسينيات وحتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي والطور الثاني طور النضج والازدهار في الفترة من السبعينيات وحتى أواخر التسعينيات ومن ثم طور السكون والانكماش كانت بداية العام ٢٠٠٠ وحتى تاريخنا الحاضر بسبب هجرة الكثير من الفنانين إلى خارج البلاد بسبب القبضة الأمنية واعتقال الكثير من الفنانين وتعذيبهم كما حصل مع الرسام الكريكاتيري العالمي علي فرزات وقد رحيلت أسماء بارزة من مؤسسي الحراك الفني
فقد تم توثيق ما يقارب ١٦١ اسما مميزا في عالم الفن التشكيلي في الجزيرة  ممن لهم أثر واضح وبصمة واضحة في تطور حركة الفن فقد تنوعت مدارس الفن التشكيلي التي نهل منها الفنانون من المدرسة التجريبية والتجريدية والكلاسيكية والرمزية والسريالية والانطباعية والواقعية إضافة إلى أن قسما كبيرا منها كان يرسم النمط الحر غير المستند إلى أي مدرسة فنية.
فنشأة حركة الفن التشكيلي ارتبطت بنمو الجزيرة و تطورها اقتصاديا وعمرانيا وتعليميا وتنمويا وبشريا كما ساهمت عدة عوامل في تطور هذه الحركة منها التوسع في إحداث المدارس وانتشار التعليم إضافة إلى الجمعيات الثقافية والفنية
ومن العوامل الأخرى لتطور حركة الفن التشكيلي إحداث مراكز الثقافة والفنون التشكيلية ومعاهد الفنون الشعبية التي احتضنت الفن والفنانين ونظمت المعارض ما ساعد على تنمية المواهب ونشر الثقافة الفنية وتبادل الخبرات مع باقي الفنانين في سوريا فالحراك الفني في الجزيرة تعزز بوجود مبدعين مؤسسين نقل التجربة الفنية إلى العربية والعالمية أمثال الفنانين عمر حمدي وصبري روفائيل وحسن حمدان العساف وغيرهم ممن حفلت صالات العروض العالمية بأعمالهم الفنية
رغم أن واقع الفن التشكيلي تأثر بدرجة كبيرة خلال السنوات الماضية نتيجة ظروف متعددة تأتي في مقدمتها الارتفاع الكبير في أسعار مستلزمات العمل والواقع المعيشي وغلاء أسعار متطلبات الحياة إلا أن ذلك لم يمنع الفنانين من الالتزام بقضايا البلد وعكس نبض الشارع في رسوماتهم وتسخير ريشتهم وفنهم وإبداعهم خدمة لمجتمعهم فإذا أردنا النهوض بواقع الفن فمن الضروري بذل جهود إضافية لدعم شريحة الشباب المبدع للفن وتوفير مستلزمات العمل فهناك من الفنانين الأستاذ حسن حمدان الذي فتح مدرسة على تكلفته الشخصية مقدما كل ما يلزم للرسامين الجدد مجانا ليرتقي بهم إلى العالمية كما وصلها بنفسه فكان خير سفير للجزيرة السورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.