الوشم في تراث وادي الفرات والبادية السورية

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

الوشم هو شكل من أشكال التعديل الجسدي ويتم بوضع علامة ثابتة في الجسم وذلك بغرز الجلد بالابرة ثم وضع الصبغ عن طريق هذه الفتحات والجروح ليبقى داخل الجلد ولا يزول. يعتبر الوشم على جسم الإنسان كنوع من التعديل الجسماني والزخرفة.

ينتشر الوشم في معظم الدول العربية، فقبائل العراق  والجزيرة العربية والأمازيغ تستخدمه للأسباب الدارجة في سورية نفسها، إلا أن الوشم يرتبط تاريخياً بجملة من المعتقدات الطبية والماورائية، فالوشم عند بعض القبائل القديمة من شأنه أن يقي من “السحر”.

ويمكن اعتبار “الوشم” جزءً من التراث اللامادي للمنطقة الشرقية والبادية من سورية، وهو تراث تتقاسمه القبائل العربية والبدوية وبعض القبائل الكردية، وبالرغم من أنه كان جزءاً من بحث المرأة عن الجمال، إلا أن بعض القبائل البدوية كانت توشم الفتيات برسم موحد يجمع بينهن، كنوع من الدلالة عليهن، ويمكن للفتاة في مثل هذه الحالة أن تشم رسوماً إضافية لتزيد من جمالها

ففي القرى الواقعة ضمن حوض الفرات والجزيرة السورية، كانت مهنة “الوشم”، تنحصر بنساء من قبائل الغجر التي تعرف شعبياً باسم “النور”، أو “القرباط”، وعادةً ما تطوف “الوشامات” بين القرى وتجمعات البدو في فترة الربيع، ولم يكن الأجر مادياً على تقديم خدماتهن للنساء، بل كن يتقاضين مواد عينية كالسمن العربي وبقية مشتقات الحليب، أو جلود المواشي، وغالباً ما يتم إكرامهن بأجرٍ عالٍ إذا كانت النتيجة مرضية.

تقول إحدى السيدات بأن “الوشّامات” اللواتي يعرفن شعبياً باسم “الدكاكات” (من الدق باستبدال حرف القاف بالكاف في اللفظ)، كن يأتين إلى قريتها على شكل مجموعات، وغالباً ما يكنّ من عائلة واحدة ( أم وبناتها)، وخلال طوافهن في القرية يقمن بممارسة مهنة “الحف”، للنساء، (وهي مهنة معنية بإزالة الشعر من الوجه باستخدام الخيط ومادة مرطبة مصنوعة من عدة أعشاب طبيعية)، كما يقمن بوشم الفتيات الصغيرات اللواتي تجاوزن سن الست سنوات، إلا أن هذه العادة اختفت بشكل مفاجئ في السبعينات ودون أن يكون ثمة مقدمات لذلك، إلا أن غياب “الوشّامات”، لم ينهي العمل بعادة “الوشم”، إذ استمرت النساء بالرسم على أجسادهن بتعلم ذاتي.

وعادةً ما يطلق مسميات دلالية على نوع الوشم المراد رسمه من قبل ذوي الفتاة، إذ أن والدة الفتاة هي من تحدد الوشم الذي سيزيد من جمال ابنتها التي لا تمتلك القدرة او الحق في الاختيار لصغر سنها، ويسمى الوشم الذي يقع تحت الشفة السفلى منتصف الفم ب “الرثمة”، فيما يسمى الوشم تحت الشفة السفلى من الجهة اليمنى التشبيه يرد ذكره في المناطق القريبة من الحدود مع العراق، وفي العراق نفسه، كما يذكر الوشم في الأغاني التراثية التي تقول : ” درب الهوى و أندلو ما أريدچ تعلمین، یا یمدكدكا الحنچ ع الشمال و ع اليمين”، كما تذكر في أغنية لـ “ناظم الغزالي”، بقول “شامة ودكة بالحنج لو تنباع بروحي اشتريها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.