الأسرى الفلسطينيين في القانون الدولي د. حسين الديك

فلسطين/ د . حسين الديكً

لقد ضمن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان رعاية خاصة للأسرى في حالات الحروب والنزاعات المسلحة سواء كانوا مدنيين أو مقاتلين ممن حملوا السلاح في ارض المعركة، وذلك من خلال وضع آليات حماية قانونية تنظم أوضاع الأسرى في حالات الحرب والنزاعات المسلحة سواء كان ذات طابع دولي أو غير دولي، وتنكرت “إسرائيل” السلطة القائمة بالاحتلال منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في العام 1967م من الاعتراف بأن الضفة الغربية وقطاع غزة هي أراض محتلة  وترفض تطبيق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف على الأسرى الفلسطينيين وتعتبرهم معتقلين أمنيين وليسوا أسرى حرب، وتتجنب استخدام مصطلح (أسير) عن أي مواطن فلسطيني يتم اعتقاله وتستخدم مصطلح (سجين أمني) بدلاً منه، هي محاولة لكي تتجنب وتتحلل من أي مسؤولية أمام المجتمع الدولي فيتعاملها مع الأسرى الفلسطينيين وتتصرف معهم كأشخاص مجرمين ارتكبوا جرائم جنائية وليسوا أسرى حرب.

تشير التقارير الصادرة عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين أنالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية يتعرضون لأقسى واشد أنواع التعذيب وفق سياسة منظمة وممنهجة من قبل إدارة السجون، وقد بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال يبلغ اليوم عدد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، أكثر من 9500 أسير/ ة، وهذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة الذين يخضعون لجريمة (الإختفاء القسري)، تصاعد أعداد الأسيرات الفلسطينيات بعد السابع من أكتوبر، حيث يبلغ عددهنّ اليوم (80) أسيرة، منهنّ ثلاث أسيرات رهن الاعتقال منذ ما قبل السابع من أكتوبر، وهذا المعطى لا يشمل كافة الأسيرات من غزة المحتجزات في المعسكرات، يبلغ عدد الأسرى الأطفال (الأشبال) ممن تقل أعمارهم عن (18 عامًا) – أكثر من (200) طفل موزعون على سجون (مجدو، عوفر، والدامون)، علمًا أنّه ووفقًا للمعطيات المتوفرة لدى المؤسسات فإنّ (24) طفلًا من غزة وهم من مجمل الأطفال في السجون محتجزون في سجن (مجدو)، علمًا أنّه لا توجد معلومات مؤكدة حول وجود أطفال من غزة في المعسكرات في ضوء استمرار جريمة (الاختفاء القسري)، المعتقلون الإداريون- (المعتقلون الذين تحتجزهم سلطات الاحتلال تحت ذريعة وجود ملف سري): ارتفع عدد المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ بعد السابع من أكتوبر بوتيرة غير مسبوقة تاريخيًا، حتى وصل عددهم إلى أكثر من (3660) معتقلًا إداريًا (حتى بداية نيسان) من بينهم (22) من النساء، وأكثر من (40) طفلًا، غالبية المعتقلين الإداريين هم أسرى سابقون أمضوا سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، بالإضافة إلى فئات أخرى شملت: طلبة مدارس وجامعات، وصحفيين، وحقوقيين، ومحامين، ومهندسين، وأطباء، وأكاديميين، ونواب، ونشطاء، وعمال، وأقارب من الدرجة الأولى لشهداء وأسرى في سجون الاحتلال، منهم شقيقات شهداء وزوجات أسرى، ويبلغ عدد الصحفيين المعتقلين في سجون الاحتلال (56) صحفيًا منهم (45) اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر، وما زالوا رهن الاعتقال، من بينهم (4) صحفيات، يبلغ عدد النواب المعتقلين في سجون الاحتلال (17) جلهم رهن الاعتقال الإداريّ، أقدمهم الأسيرين القائدين مروان البرغوثي، وأحمد سعدات.

وإن ما تقوم به “إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال من انتهاكات جسيمة بحق الأسرى الفلسطينيين من خلال الإمعان في انتهاك حقوقهم وكرامتهم وإنسانيتهم يشكل انتهاكاً للقواعد الآمرة في القانون الدولي، ويشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان وذلك من خلال أشكال الانتهاكات التي يتعرضون لها والمتمثلة فيما يلي:

أولاً: إن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي من التعذيب الجسدي وسوء المعاملة وسياسة العقاب الجماعي والعزل الانفرادي، و التعذيب النفسي، والإهمال الطبي المتعمد وعدم توفير الأدوية والعلاج والمستلزمات الطية لهم،  يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني لاسيما لاتفاقية جنيف الثالثة المؤرخة في 12/8/1949م، فقد نصت المادة رقم(13) من الاتفاقيةعلى ( وجوب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ولا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني، ويجب حماية اسرى الحرب في جميع الأوقات وعلى الأخص ضد أعمال العنف والتهديد وتحظر تدابير الاقتصاص من أسرى الحرب)، وانتهاك للمادة رقم (15) من نفس الاتفاقية والتي أكدت على أن (تتكفل الدولة التي تحتجز اسرى الحرب بإعاشتهم دون مقابل وبتقديم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية مجانا)، كما نصت المادة رقم (30) من نفس الاتفاقية على أن ( على سلطات الاحتلال توفير عيادة مناسبة يحصل فيها أسرى الحرب على ما يحتاجونه من رعاية صحية، وعند الحاجة يتم فصل المرضى المصابين بأمراض معدية عن زملائهم، وأن الأسرى الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة أو عمليات جراحية أو رعاية في المستشفيات يجب نقلهم إلى وحدة طبية عسكرية أو مدنية للعلاج فيها، وتتحمل الدولة الحاجزة تكاليف علاج الأسرى) ، وكما نصت المادة رقم (31) من نفس الاتفاقية على( أن يتم إجراء الفحص الطبي لكل أسير مرة واحدة كل شهر على الأقل ومراقبة الحالة العامة لصحة الأسرى وتغذيتهم ونظافتهم و كشف الأمراض المعدية).

ثانياً: سياسة الاختفاء القسري وعدم التصريح عن مراكز الاعتقال والاحتجاز التي يتواجد فيها الأسرى واحتجاز الجثامين بعد الوفاة داخل السجون هو نوع من التعذيب النفسي المستمر لذوي الشهداء ، فاستمرار حكومة الاحتلال باحتجاز جثامين الشهداء هو جريمة تعذيب مستمرة بحق ذويهم وجريمة بحق الشهداء انفسهم في حفظ كرامتهم الإنسانية ودفنهم لدى ذويهم، فقد عملت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بهذه السياسية منذ زمن بعيد في رفض التصريح عن أماكن وجود الأسرى وعدم تسليم جثامينهم بعد وفاتهم واحتجازها في مقابر الأرقام أو في ثلاجات خاصة، وازدادت هذه الممارسات منذ 7/10/2023م بعد الحرب التي يشنها الاحتلال على قطا غزة، ويعتبر ذلك انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وخاصة لاتفاقية روما لسنة 1998م الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية إذ اعتبرت المادة رقم (7) من الاتفاقية أن الاختفاء القسري يشكل جريمة ضد الإنسانية. وانتهاك للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري المؤرخة في 23/12/2010م إذ نصت لمادة رقم (1) من الاتفاقية على (لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يجوز التذرع باي ظرف استثنائي كان سواء تعلق بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي، أو بأية حالة استثنائية أخرى، لتبرير الاختفاء القسري)، ونصت المادة رقم (5) من نفس الاتفاقية  على (تشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو الممنهجة جريمة ضد الإنسانية )، وانتهاك للمادة رقم (17) من نفس الاتفاقية والتي نصت على (دون الإخلال بالالتزامات الدولية الأخرى للدولة الطرف في مجال الحرمان من الحرية، يتعين على كل دولة طرف، في إطار تشريعاتها، القيام بتقدم كافة البيانات والمعلومات في حالة الوفاة أثناء الحرمان من الحرية، ظروف وأسباب الوفاة والجهة التي نقلت إليها رفات المتوفى). وانتهاك لإعلان الأمم المتحدة المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 كانون أول ديسمبر 1992م، وانتهاك للقاعدة رقم (117) من قواعد الصليب الأحمر الدولي التي أكدت على ضرورة أن تتخذ كافة أطراف النزاع الإجراءات المستطاعة للإبلاغ والإفادة عن الأشخاص المفقودين في النزاع المسلح، وضرورة تزويد أفراد عائلاتهم بأية معلومات عن مصيرهم وتنطبق هذه القاعدة على النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي وذات الطابع الغير دولي.

ثالثا: الاعتقال الإداري والمنع من زيارة المحامين للأسرى، وهو إجراء عقابي ورثته حكومة  الاحتلال الإسرائيلي عن حكومة الانتداب البريطاني  ويعتبر انتهاك جسيم للبرتوكول الاختياري الثاني الملحق باتفاقيات جنيف بشكل مباشر وصريح، كونه يتم بدون قرار من المحكمة ويمدد أيضاً بدون قرار محكمة ويستند إلى ادعاءات سرية، حيث نصت المادة رقم (6) من البروتوكول على (لا يجوز إصدار أي حكم أو تنفيذ أي عقوبة حيال أي شخص دون محاكمة مسبقة تتوفر فيها الضمانات الأساسية للاستقلال والحيادية بوجه خاص، وان تنص الإجراءات على إخطار المتهم دون إبطاء بتفاصيل الجريمة المنسوبة اليه وأن تكفل للمتهم كافة الحقوق ووسائل الدفاع اللازمة التي يمكن اللجوء اليها للدفاع عن نفسه).

رابعا: عدم الالتزام بقواعد مانديلا الخاصة بمراكز الاعتقال والتوقيف في توفير الظروف المناسبة والملائمة للأسرى من الطعام والشراب والاحتياجات الأساسية لهم وظروف السكن المناسبة، مما أدى الى معاناة شديدة لهم وتعرضهم للإصابة بالأمراض المعدية والموسمية.

إن كل ذلك يعتبر انتهاك للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان ويبرهن على أن إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال تعمل على ارتكاب جرائم التعذيب والقتل والموت البطيىء بحق الأسرى الفلسطينيين دونا أي اعتبار لمبادئ القانون الدولي الإنساني أو للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو للقيم الإنسانيةوالأخلاقية الي تحمي كرامة الإنسان وتكفل حرياته الأساسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.