ماهو سر الخلاف بين بايدن وبوتين !؟

بقلم الكاتب السوري

محمد علي

BAZ_NEWS

من الملاحظ أنه منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن الى السلطة ساءت العلاقات الروسية الأمريكية إلى حد كبير بعد أن شهدت استقرارا خلال عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، لدرجة وصف الرئيس بايدن لبوتين ب ” القاتل” خلال إحدى لقائاته الإعلامية ، فما هو سر هذا العداء بين الرجلين؟ وهل هو عداء شخصي أم فكري أم عداء مصالح طبيعي بين أعظم قوتين عسكرييتين في العالم !؟.


في الحقيقة لا يمكن معرفة سبب هذا العداء بدون معرفة خلفيات الرجلين الفكرية والاتجاهات التي ينتميان لها، فالرئيس بوتين ينتمي لتيار معادي تماما للتيار الليبرالي اليساري الذي ينتمي له الحزب الديمقراطي الأمريكي، وهذا ما يفسر استقرار العلاقات بينه وبين الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة ترامب لحد وصف الرئيس بايدن لترامب بأنه ” جرو بوتين”، لذلك لا بد من فهم انتمائات واتجاهات كل من بوتين وبايدن،.

  • انتماءات واتجاهات بايدن الفكرية

ينتمي الرئيس بايدن إلى الليبراليه اليسارية أو ما كان يسميه ترامب ب ” اليسار الراديكالي” هذا التيار يدعو بشكل عام الى نشر الديمقراطية والحرية الدينية والجنسية في العالم ومحو أي قيم أخلاقية او دينية، وهو مسيطر بشكل أو بأخر على المؤسسات الأمريكية خاصة الإعلامية منها إذ بدا ذلك جليا خاصة في الإنتخابات الأمريكية الأخيرة لدرجة أن تويتر وفيسبوك قاما بحظر حسابات الرئيس ترامب فيما يشبه الإنقلاب الإعلامي، هذا التيار يضم تحالف قوي نواته الصلبة ( ليبراليين – لادنيين – أقليات عرقية ودينية ) مدعوم بنخبة من رجال الأعلام وصناع القرار والإعلام في الولايات المتحدة وعلى رأسهم الملياردير الأمريكي من أصل مجري “جورج سوروس” المعادي للرئيس بوتين اذ وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يحكم “دولة مافيا” ووصف ترامب بأنه “خطر على العالم”. ويعتبر سوروس من أهم صناع القرار في الولايات المتحدة أو ما يعرف ب “الدولة العميقة” وداعم لصحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وأسوشيتد برس، إن بي سي وأيه بي سي، ولمنظمات مثل هيومن رايتس ووتش والكثير من المنظمات وغيرها، وهو من المساهمين في وصول رئيس الوزراء الأرمني ” نيكول باشينيان” للسلطة بعد احتجاجات مدعومة غربيا عام2018، عندها رأى بوتين في وصول باشينيان للسلطة تهديدا لمصالح روسيا في أرمينيا ، وهو ما سينعكس لاحقا علي الحرب بين أذربيجان و أرمينيا، التيار الليبرالي الأمريكي أيضا دعم المعارض الليبرالي “اليكسي نافالني” إذ بدأت قضيته تتفاعل أكثر فأكثر منذ وصول بايدن الى السلطة وهو ما شجعه على العوده لروسيا رغم أنه كان يعلم أنه سوف يتم اعتقاله – وقد تكون هذه العودة متفق عليها مع بعض الدول- لإحراج بوتين أمام القوى الغربية، اذ بدا ذلك جليا في جلسة الحكم على نافالني حيث حضر المحاكمة ممثلو السفارات الأجنبية لدول أمريكا، بريطانيا ، كندا ، بولندا ، الدنمارك ، لاتفيا ، ليتوانيا ، السويد ، ألمانيا ، النمسا ، التشيك ، اليابان ، فنلندا ، النرويج ، بلغاريا.
فيما ردت الخارجية الروسية بأن وجود دبلوماسيين أجانب في محاكمة نافالني هو تدخل في الشؤون الداخلية لروسيا، وفضح لمحاولات الغرب لكبح جماح روسيا.

انتماءات واتجاهات بوتين الفكرية

على الرغم من أن بوتين حريص على أن لا يظهر بثوب ايدلوجي معين، ألا أنه يبدو من صريحاته أنه ينتمي إلى تيار من الاشتراكيين المتطرفين الذين لا يفوتون فرصة للحديث عن الحنين لأيام الإمبراطورية، معتبرين “انهيار الاتحاد السوفييتي بمثابة الكارثة الجيوسياسية الأكبر في هذا القرن”، على حدّ تعبير فلاديمير بوتين،. بات يعرف هذا التيار – الذي تأثر به بوتين – في روسيا بالتيار الأوراسي أو “الأوراسية” وأهم منظريه السياسي والشاعر الروسي ” الكسندر دوغين” إذ تلقبه بعض الصحف الغربيه ب” دماغ بوتين “، . ويرى دوغين أن الكثير من قيم الليبرالية الديمقراطية هو غربي، بعد ما تمّ فرض النموذج الإنجلوسكسوني للثقافة والحكم، على بقية العالم، مما جعل “الليبرالية” القائمة على التحرر من جميع أشكال الهوية الجماعية، نوعًا من الإبادة الثقافية. ألّف دوغين، الذي يتحدث تسع لغات، عشرات الكتب التي تدور في فلك تقاطع الفكر مع السياسة من خلال تجديد نظرية “الأوراسية” ويعتقد دوغين أن أميركا تقود “الدكتاتورية العالمية” التي تّدعي أن التاريخ لا يعيد نفسه، وأنه أحادي الاتجاه ومركزه أميركا التي تنظر إلى نفسها باعتبارها قمة كل الحضارة الغربية”. ويقول إن هذه الفكرة تضع العالم تحت الوصاية الأميركية وكأنها تخلق بذلك “معسكر اعتقال عالمي”. يرفض دوغين المفهوم الغربي للحرية، ويصفه بـ “نموذج العبودية الأكثر إثارة للاشمئزاز، لأنه يدمّر كل أشكال الهوية الجماعية، ويجعل الفرد متحررًا من أي نوع من القيود، بما في ذلك الأخلاق، والهوية والضوابط الاجتماعية أو العرقية”.، وقد تكون مثل هذه الآراء آثرت في الرئيس الروسي الذي يعتبر نفسه وريث الاتحاد السوفيتي ووريث أباطرة الأرثوذكسية المسيحية التي أسقطها الأتراك، يبدو ذلك جليا في معرض رده في لقاء مجلس الدوما مع بوتين، حيث قال المتحدث آيدلشتاين جيرينوفسكي (يهودي):
(لكن البرابرة أتوا من الشرق واستولوا على القسطنطينية عام 1453 ، وانهار كل شيء ، وبقينا وحدنا. نحن أصبحنا أيتام في العالم المسيحي)
فرد فلاديمير بوتين:
(أولاً ، جاء الصليبيون من الغرب وأضعفوا الإمبراطورية الأرثوذكسية ، ثم جاء البرابرة من الشرق)
أذ أنه يحمل مسؤولية سقوط القسطنطينية للدول الغربيه آنذاك وأن الأتراك سبب ثانوي لسقوطها، ما يعني أن التاريخ يعيد نفسه وأن الغرب يحاول إضعاف روسيا بقيمه الليبراليه التي ستؤدي أن نجحت الى سقوطها، وهذا ما يفسر ضم روسيا شبه جزيرة القرم بالقوة العسكرية بعد وصول سلطة سياسية موالية للغرب في كييف، و خذلانها لأرمينيا في حربها مع أذربيجان، رغم أن أرمينيا حليف تاريخي لروسيا لكن أراد بوتين إزاحة وأفشال ” باشنيان” من السلطة بسبب مولاته للغرب لدرجة أن باشينيان صرح بأن صورايخ الكسندر الروسية لم تكن فعالة في المعركة مع أذربيجان وأنه لم ينفجر منها سوى 10% فقط، ما يشير الى تواطؤ روسي في خسارة أرمينيا للحرب، أضافة الى دعم نظام الأسد في سوريا رغم معرفة بوتين بفشل هذا النظام لكنه يعلم أن أي خطوة للتراجع سوف يتم ملئها غربيا ما يعني العودة الى عالم القطب الواحد وتضييق الخناق على روسيا.

هذه بعض الأسباب التي أدت لتدهور العلاقات الروسية الأمريكية بعد وصول الرئيس بايدن إلى السلطة التصريحات النارية المتبادلة بين الطرفين التي لا يمكن التنبؤ بحدودها على الرغم من استبعاد الخيار العسكري لمعرفة كل طرف بالقدرات التدميرية الهائلة للطرف الأخر ، لكن يبدو أن الصراع سوف يشتد لكن بالوكالة وسوف يكون له ساحات أخرى بعيده عن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.