شرق أوسط – مروان مجيد الشيخ عيسى
إن سحب روسيا لمنظومة الدفاع الجوي إس_300 من سوريا نجم عن حجم الخسائر الفادحة التي لحقت بالجيش الروسي في حربه على أوكرانيا ويريد دعم جبهاته هناك, أمر لا يخضع للمنطق ولا يخضع لحقيقة الترسانة العسكرية الروسية وما تملكه في مخازنها الاستراتيجية من أسلحة وعتاد, وكأن هناك من يخبرنا أن كل احتياطات روسيا الاستراتيجية من العتاد العسكري قد انتهت ولم يتبقّ سوى تلك المنظومة التي منحتها موسكو لبشار الأسد فسارعت لسحبها.
وأن يخرج متفاءل سوري ليخبرنا أن سحب المنظومة الروسية من سوريا هو مقدمة لانسحاب روسي قادم من كامل الجغرافية الروسية, أيضاً هو أمر منافٍ للمنطق ومناف للواقع السياسي والعسكري الذي يحكم وجود روسيا على الجغرافية السورية وفي تلك الأوقات بالتحديد التي تزداد فيها سخونة المواجهة غير المباشرة بين روسيا من جهة وبين الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين من جهة أخرى.
وأن يخرج محلل سياسي وأكاديمي روسي محاضر بالعلوم السياسية من موسكو الدكتور رولاند بيجاموف على إحدى الفضائيات ليخبرنا أن سبب سحب موسكو لمنظومة إس_300 في سوريا كان بسبب عدم قدرة ضباط جيش الأسد من إتقان العمل على أجهزة المنظومة وفشلهم في استخدامها, وبالتالي تكفيهم منظومات الدفاع الجوي من طراز بوك1و2 ومنظومة بانتسير التي يجيدون العمل عليها, وهذا أمر أيضاً لا يخضع للمنطق, فضباط جيش النظام بمعظمهم من خريجي المدارس والكليات العسكرية الروسية, وعقيدة الجيش السوري كانت وما تزال هي العقيدة الشرقية, و98% من أسلحة الجيش السوري منذ خمسينات القرن الماضي هي من الاتحاد السوفييتي سابقاً وروسيا حالياً, والأهم من كل ذلك أن منظومات الأسلحة الروسية وخاصة منظومات الدفاع الجوي هي سلسلة متدرجة بالحداثة لكن أساسها واحد, وأن جلّ ما يتغير عليها هي عملية زيادة حساسية ومدى الكشف, وزيادة أمدية استخدام الصواريخ, وزيادة دقة التتبع والمزامنة وزيادة دقة الإصابة, بمعنى أن نفس الأجهزة تعمل إنما بتحسينات قتالية تحسن من نتائج العمل
ما يؤكد أن لا صعوبة بعملية إتقان الاستخدام وأن ما أورده الخبير الروسي غير قابل للتصديق أيضاً
لبحث الدوافع بشكل عقلاني وواقعي علينا العودة لظروف نقل تلك المنظومة من موسكو للأراضي السورية, فالتاريخ يذكرنا أن هجوماً إسرائيلياً من فوق البحر المتوسط وبحنكة طياري تل أبيب أوقعوا الدفاعات الجوية لنظام أسد بمكيدة جوية وتسببوا بإسقاط طائرة قيادة وتجسس واستطلاع روسية فوق البحر المتوسط قبالة مدينة جبلة في الشهر التاسع من عام 2018, وهذا ما أغضب موسكو ودفعهم بعد أقلّ من شهر لتسليم نظام الأسد منظومة إس300 المتطورة والقادرة على اصطياد الطائرات الإسرائيلية فوق مطارات إقلاعها في حيفا وتل أبيب, لكن موسكو جمّدت المنظومة وحجبت عنها مدخرات التشغيل وربطت تشغيلها بأوامر حتمية من قاعدة حميميم رغم الإعلان عن تسليمها لجيش النظام رضوخاً عند طلب من إسرائيل, وهكذا بقيت المنظومة عديمة الجدوى وعديمة الفائدة وممنوعة من الاستخدام طيلة أربع سنوات من وجودها على الأرض السورية, بالرغم من مئات الغارات الجوية الإسرائيلية التي فلحت الأرض السورية شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً دون رادع ودون أدنى خطورة على الطائرات والطيارين الإسرائيليين.
لكن, في السنوات الأخيرة زادت نقمة الموالين للأسد ضد الروس وضد الإيرانيين, فالميليشيات الإيرانية تسببت بمزيد من القصف الإسرائيلي للأراضي السورية, ولمواقع جيش أسد, ولمراكز البحث العلمي, ومراكز التصنيع العسكري بعد سيطرة الحرس الثوري الإيراني على تلك المنشآت وجعلها مستودعات لصواريخه ومنتجاته وطائراته المسيرة، مما يدفع إسرائيل لاستهدافها وغالباً ما يُقتل نتيجة الهجمات الإسرائيلية مرتزقة الأسد الموكلون بالدفاع عنها.
أيضاً كانت هناك نقمة من الموالين للأسد بأن إسرائيل تسرح وتمرح بالأجواء السورية دون خوف أو رادع رغم وجود كل منظومات الدفاع الجوي الروسية إس_300, وإس_400 في قاعدة حميميم وبعض المواقع السورية الأخرى, والقصف الإسرائيلي مستمر بوجود كل وسائط الدفاع الجوي الروسية الموجودة على إحدى عشرة سفينة وغواصة روسية تنتشر في قاعدة جول جمال في طرطوس على سواحل المتوسط, ويقول هؤلاء: إذا كانت روسيا لا تتجرأ على مهاجمة إسرائيل خشية على قاعدة حميميم فلماذا لا ترفع الفيتو عن استخدام منظومة الإس 300 التي منحتها لسوريا وتترك لجيش النظام حرية استخدامها ومواجهة هجمات الطائرات الإسرائيلية.